مقالات

ما بعد الإرهاب: العنف المجتمعي

شكّل الإفراج عن معتقلي السلفية الجهادية تطورا أمنيا وسياسيا يعبر عن وعي الدولة بالتحولات العميقة التي عصفت بالعالم والمنطقة، والأردن في صلبها. فعندما يشارك قادة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر في الانتخابات وينبذون العنف من موقع الرضا، لا المراجعات المكرهين عليها في المعتقلات، فهذا يشكل تحولا استراتيجيا يضرب فكرة العنف الإسلامي في جذورها، ويحصرها في سياقها المعترف به عالميا وهو مقاومة الاحتلال.
وللأسف، فإن التحول الذي عبر عنه بوضوح خطاب بن لادن الأخير، لم يعن أننا بتنا نعيش بأمان وبلا تحديات أمنية. عربيا، برز خطر الفوضى والانفلات الأمني تهديدا حقيقيا يرقى لتحدي الإرهاب. لنتذكر الفوضى وإحراق المقرات العامة بعد الانتخابات التونسية التي شهدتها سيدي بوزيد، أيقونة الثورة السلمية العربية. وللمفارقة، فإن “العشائرية” لعبت دورا سلبيا عندما استغلتها الخلايا النائمة للتجمع الدستوري وذراعها الإعلامية، قناة المستقلة، في لندن.
أردنيا، حافظ الحراك على سلميته رغم ارتفاع سقف الشعارات واستمرارية التظاهر. وحتى ظاهرة البلطجة تلاشت. ولم يعد الحراك السياسي تحديا أمنيا بقدر ما هو تحد سياسي. التحدي الأمني اليوم هو العنف الاجتماعي الفوضوي. وقد شخص الزميل محمد أبو رمان بدقة ما شهدته مدينة السلط مؤخرا، وتلك جرأة تسجل له، وعلى الدولة أن تتحلى بها وتبدأ بالعمليات الجراحية.
من المؤسف أن بعض القادة المجتمعيين متورطون في تبني العنف المجتمعي، حماية له وتواطؤا معه واستغلالا له. وتلك خطوة أولى لتحويل القادة إلى قادة عصابات تحرك العنف وقت ما تشاء وتوقفه وقت ما تشاء. وفي سياق المجابهة السياسية مع المعارضة، ركب بعض المسؤولين موجة العنف المجتمعي باعتباره “قوات دفاع شعبي”. ذلك جعل بعض “الزعران” وأرباب السوابق يعتبرون أنفسهم حماة الحمى في مواجهة المؤامرة الكونية.
إن من يجبنون عن تشخيص الظاهرة والتعامل الجدي معها سيدفّعوننا جميعا ثمنا أغلى في المستقبل. وستصبح الدولة عاجزة عن تطبيق القانون الذي سيناط بعصابات قادرة على تحصيل “الحقوق”. إن حرية الناس في الاعتراض والتظاهر والاعتصام مقدسة، أما ممارسة العنف على الأفراد والمؤسسات فتلك جريمة تفقد الدولة سبب وجودها إن تقاعست في منعه ومعاقبة من يمارسه.
يوجد ألف سبب للغضب والاحتقان، اقتصاديا وسياسيا، لكن يوجد مقابلها ألف وسيلة سلمية وقانونية للتعبير. نحتاج لكثير من الدراسة والحوار والنقاش حول ظاهرة العنف المجتمعي، وقد يستغرق ذلك سنوات. والعلاج أيضا يحتاج برامج اقتصادية وتربوية وإعلامية، لكن ما لا يحتمل التأخير ولو لدقيقة هو تطبيق القانون.
إن المعركة مع “العنف المجتمعي” مكلفة وليست سهلة، وهي أمنية بالدرجة الأولى . وأي مسؤول سيفكر كثيرا قبل خوضها، وسيفضل أن يرحّلها لمن بعده. ولذلك، نحتاج قبل “العمليات الجراحية” إلى وقفة سياسية إجماعية من قادة المجتمعات المحلية بالدرجة الأولى ومن القوى السياسية، موالاة ومعارضة، تنزع الشرعية عن هكذا عنف. وما يخشى أن تعتبر مطاردة مجرم له أكثر من عشرين قيدا، مطاردة لنيلسون مانديلا!

هل تريد التعليق؟