تتطور الديمقراطية وتغادر مرحلة النشوء عندما تتحول إلى ثقافة وسلوك ومؤسسات
مر يوم جمعة ثقيل على الوزراء بعد أن أبلغوا بالسبت موعدا للتعديل. منهم من بدأ بكتابة مذكراته، لم لا فالمؤرخ الموسوعي خير الدين الزركلي ألف “عامان في عمان” في غضون توليه منصبا بعد مقدمه إلى عمان في أيام تأسيس الإمارة. سيكتب الوزراء المؤرخون الكثير مما يفيد الجيل الطالع ويضع له معالم الطريق في تلمسه الدرب الوعر.
ماذا يكتبون إن خرجوا وإن ظلوا؟ الفصل الأهم البدايات يمكن أن يرجعوا هنا إلى بدايات يعقوب زيادين. كيف تعتقوا بالخبرة السياسية التي صقلت رؤاهم الثاقبة وجعلتنا نتدرج في استراتيجية تذكّر بصانع نهضة ماليزيا محاضر محمد من بلد اقتصاد الغابة والالتقاط إلى بلد الصناعة الثقيلة والمعلوماتية.
دع عنك سنوات النضال الطلابي، وكيف تعلموا إدراة الجماهير وانتزاع الحقوق ولنصل إلى المرحلة الأصعب في العلاقة مع مجلس النواب. فالحكومة لم تحصل على “الثقة الذهبية” إلا بعد سجالات بدأت من أيام الحملة الانتخابية. فكنت تجد مرشحا يجلس على اللاب توب ساعات وهو يرد على إي ميل من ناخب يناقشه في جدوى المناطق الصناعية المؤهلة. وهذا الناخب يصير وزيرا من بعد ويتواصل السجال العلمي.
يعصر الوزير ذاكرته، متى طلب نائب طلبا شخصيا أو عائليا أو جهويا أو مناطقيا؟ كانت المطالب ذات صبغة إنسانية. كان الاحتباس الحراري مقلقا وأولوية لمعظم النواب. يراجعون وزير البيئة ووزير الخارجية لمتابعة الاتفاقات الدولية بهذا الشأن. قال نائب حكيم “لسنا بلدا صناعيا حتى نهدد بيئة العالم، لكننا بلد نموذج يهمنا أن نبرّئ ذمتنا أمام العالم ولسنا ساكتين أو شركاء في جريمة ثقب الأوزون”.
كان صراع أفكار في المجلس. لم يكن مجلس الوزراء ينام ليلة الثقة، كيف نقنع النواب بأفكارنا لا كيف نحقق لهم مكاسب صغيرة لنيل ثقتهم. كانت عينهم على رضا الله لا رضا الوزراء أو القاعدة الشعبية. المهم أن تكون في الموقف الصحيح لا الموقف المريح. ترك الوزير المذكرات يوم الجمعة، فوراء كل ملاحظة صغيرة مدونة على الأجندة حكاية كبيرة، وهو ما يحتاج إلى ما يعرف في الجامعات بالتفرغ العلمي.
حتى ينتهي الوزراء من كتابة مذكراتهم يمكن تسجيل انطباعات صغيرة عن التشكيل والتعديل. فالحكومات في بلد ديموقراطية ناشئة لا تشكلها أحزاب فازت بوصفها أحزابا تمثل أشواق الناس وتطلعاتهم. الحكومة في الأردن هي وظيفة في ظروف غير وظيفية. تأتي بقرار مباغت وتمضي بالطريقة ذاتها. لا يعرفون متى يأتون ولا متى يرحلون.
نعم ظروف غير وظيفية، يبدأ الموظفون عملهم وسط احتفاء غير مسبوق من الذين يفترض أن يراقبوهم ويحاسبوهم، ممكن مراجعة كلمات النواب ومقالات الصحافيين أوان قدوم أي حكومة. ينظر المسؤول في المرآة ويقول كم ظلمت نفسي! لم أكن أدري أنني عظيم إلى هذه الدرجة. حتى إذا “وقع حجابها” على رأي سليمان عرار رحمه الله يأتيها القصف من فوقها ومن تحتها. وتمارس البطولات بأثر رجعي. وتتساءل كيف يمارس هؤلاء بطولاتهم اليوم وبالأمس القريب كانوا يذعنون ويخضعون وينافقون.
تتطور الديمقراطية وتغادر مرحلة النشوء عندما تتحول إلى ثقافة وسلوك ومؤسسات. والديمقراطية التي لا تستطيع مغادرة مرحلة النشوء تتحول إلى ديمقراطية معاقة وقاصرة. وإذا كان التعديل هو تغيير غير مفهوم وغير مفسر في الأسماء خروجا ودخولا، فالأولى أن يتمتع الوزراء بالاستقرار الوظيفي. سيكون تعديلا عاديا ولن ندهش ونحن نتابع أداء القسم. فكثرة التعديل والتغيير أذهبت الدهشة. المهم أن تفعل الحكومة بعد التعديل شيئا يمكن أن يكتب في مذكرات. ولا شيء يستحق أن يكتب غير الإصلاح السياسي. والمهم ما يكتب عن الحكومة وهي مُدبِرة لا ما يكتب وهي مُقبِلة مشكّلة أو معدّلة.
هل تريد التعليق؟