احتفل بشار وأعوانه بخسارة ساركوزي، وحق لهم ذلك. فقد كان مندفعا بعد هزيمة القذافي، وحسب أنه سيكرر الانتصار على بشار. فالقذافي هزم، بالدرجة الأولى، بصواريخ “الميلان” الفرنسية المضادة للدروع التي زود بها الثوار. وفي انتخابات الرئاسة الأميركية، شاعت أسطورة في صحافة الشبيحة أن الربيع العربي وراءه أوباما، وبالتالي فإن هزيمته انتخابيا ستكون هزيمة للمؤامرة على سورية.
وفي ظل الأسطورة السالفة، ابتهل أنصار بشار من أجل هزيمة أوباما، لكنهم صدموا بتصريحات منافسه رومني الذي زاود على أوباما بخصوص تسليح الثوار. لكن من يقفون مع بشار لا يعتمدون على الأساطير.
فلم تكن الأجهزة الإيرانية والروسية التي تقف وراء بشار بحاجة إلى تصريحات مرشح الرئاسة الأميركية لتدرك أن الموقف الأميركي بعد الانتخابات لن يكون ذاته قبلها، وأن الطرفين الجمهوري والديمقراطي متفقان علي الخلاص من نظام بشار، بدون إسالة قطرة دم أميركية، وربما بدون دفع تكاليف تذكر. وبالتخلص منه، تحقق أميركا ضربة مزدوجة، تتخلص فيها من بقايا النفوذ الروسي ومن الهيمنة الإيرانية على المنطقة الحيوية.
المرشح الجمهوري اتهم منافسه بالتقصير، وهذا صحيح. فأوباما اتخذ موقفا أخلاقيا متقدما من بداية الثورة. لكنه في الوقت الذي كان يعلن فيه وفاة الأسد سياسيا، كان يضع “فيتو” على تسليح الثورة السورية. والذريعة كانت الخشية من وصول السلاح النوعي المضاد للطيران والدروع إلى أيد غير أمينة، فيصل للقاعدة، ويستخدم ضد طائرات أميركية أو إسرائيلية.
وفوق ذلك، كان أوباما يراهن على أن الزخم المدني للثورة السورية، مع العقوبات الاقتصادية، سيؤديان إلى تصدع النظام من الداخل وحصول التغيير. وهذا كان يصح لو أن دولتين عظميين، هما روسيا وإيران ومعهما الصين، لا تضعان ثقلهما العسكري والأمني والاقتصادي وراء بشار الأسد. فايران لن تتخلى عن” ساحات الصراع”، وروسيا لن تتخلى عن آخر موطئ قدم لها في المنطقة. وبحسب ضابط منشق، فإن القاعدة الروسية في طرطوس بإمكانها أن تتسمع على شرطي المرور في القاهرة.
فوق ذلك، يعتمد الاقتصاد الروسي بشكل أساسي على النفط والغاز، والأسعار تزدهر في ظل الأزمات في الشرق الأوسط، وستزدهر أكثر في حال حصول حرب. وفي استراتيجية إيران وروسيا اتفاق يصل إلى التطابق مع اختلاف الأهداف. وفي الشهرين المقبلين، سيضاعف البلدان دعمهما لبشار استباقا لنتائج الانتخابات الأميركية.
سنشهد دمارا أكبر، ودموية أفظع، في الشهرين المقبلين. فهي الفرصة الأخيرة قبل وصول السلاح النوعي. لن تستطيع طائرات “الميغ” المهترئة مواجهة صواريخ “ستينغر”، ولن تستطيع دبابات “تي 72” الصمود في وجه صاروخ “الغافلن” الأميركي المضاد للدروع. وساعتها سيتمكن ثوار دمشق من السيطرة على مرافق الدولة بساعات أو أيام على الأكثر. لكن كم ستسيل دماء خلال الشهرين المقبلين؟
العامل الحاسم في الثورة السورية هو الشعب السوري الذي صمد بشكل استشهادي طالبا ما عند الله. وبقليل من السلاح يصمد الثوار في حلب وحمص ودير الزور وغيرها، ويتقدمون في إدلب ومعرة النعمان، ويقومون بعمليات نوعية في حماة ودرعا وقلب دمشق. هذا كله في ظل النقص الحاد في السلاح والمال والغذاء والدواء.
لن تستسلم القوتان العظميان حتى بعد تحرير دمشق، وستتعاملان مع بشار باعتباره قائد فصيل يسيطر على مناطق، ويواصل في الأثناء عناصر حزب الله دورهم في حرب العصابات، هذه المرة ضد “النظام” لا الثوار، وسيحولون بشار الى ثائر!
الحل الوحيد لتقليل الخسائر هو استخدام طوق النجاة التركي الأخير، أي الحل اليمني من خلال تسليم السلطة لفاروق الشرع. والمشكلة لو قبل بشار بذلك هل تقبل الدولتان العظميان؟ هل سيقبل الثوار؟
هل تريد التعليق؟