مقالات

ما هو أهم من الدستور العراقي

نتائج التصويت على الدستور العراقي ستسهم في توضيح بعض الزوايا المعتمة في المشهد العراقي. فحجم التصويت في المناطق الشيعية يكشف مدى نفوذ المرجعية، والتراجع في عدد المصوتين الأكراد مؤشر خطير على تغير في المزاج الكردي، والمقاطعة السنية تظهر مدى نفوذ مرجعية هيئة علماء المسلمين وجماعات المقاومة الداعية للمقاطعة، بقدر ما يكشف عن هشاشة دعوة التصويت بـ”نعم” التي دعا لها الحزب الإسلامي.

مقابل تفاصيل النتائج، ثمة تطور مهم بدا واضحا قبيل التصويت وفي غضونه. فقبل التصويت، أعلنت مجموعات أساسية مسلحة أنها ستشارك في التصويت بـ”لا”. وفي الوقت الذي تعتبر أدبيات “القاعدة” موقفا كهذا مشاركة في التصويت على الدستور “الشركي”، فإنها أوضحت بعد لغط أثير حول موقفها، أنها لن تستهدف المصوتين، وهو تطور كبير قياسا على اليوم الدامي في انتخابات الجمعية الوطنية، وهذا هو السبب الوحيد لمرور عملية التصويت دون مفخخات وتفجيرات.

بيد أن الجماعات الأربع (كتائب ثورة العشرين، والجيش الإسلامي، وجيش المجاهدين، وجبهة المقاومة الإسلامية العراقية) عادت عن قرار التصويت بـ”لا”، وقررت المقاطعة لأسباب سياسية: “فلما استيقنت أميركا بان الدستور سيسقط لا محالة، وأن الجماهير تعبأت لرفضه، عمدت إلى أساليب بشعة، عسكرية وسياسية، ومن ذلك:

استباحة مناطق أهل السنة التي ترفض الدستور، حيث عملت فيها قتلا وأسرا وتشريدا وتدميرا بذرائع شتى، فبدأت بتلعفر والضلوعية وسامراء، وتبعها القائم وراوه وحديثة، وما حصل ويحصل الى الآن في الرمادي واللطيفية وجرف الصخر وغير ذلك من المناطق. وما يشاهده العالم مما يحصل من دمار وبشاعة لايمثل الا النزر اليسير مما يحصل على ارض الواقع.

قامت (القوات الأميركية) بإغلاق معظم مناطق أهل السنة منذ أيام، وكثير منها يعيش في وضع مأساوي جدا، كل ذلك للحيلولة دون اشتراكهم بالتصويت بـ”لا” على الدستور ورفضه”.

وكانت الجماعات قد أوضحت أسبابا عدة للمشاركة بـ”لا”، منها “ان هذه صورة من صور انكار المنكر. انه دفع مفسدة عظمى بمفسدة صغرى. فسح المجال للناس لئلا يتذرعوا بالمقاومة ويتهموها بانها لا تسمح لهم بأي عمل ولو كان مقبولا، وبالتالي يحملون المقاومة كافة التبعات.

للرد على الذين يقولون انه ليس للمقاومة برنامج سياسي، مع كثرة مواقف المقاومة ووضوحها.

الذي لا يصوت بـ”لا” على الدستور ولا يحضر فإنه يعني تسجيل صوت نعم بإزائه،

للاعتبار بعدد من يحق له التصويت وليس بعدد من حضر (وقد عدلت هذه مؤخرا).

ان أهل السنة هم المسيطرون على مناطق التصويت، بحيث لا يسمح للعدو بالتزوير. وكانت هنالك ضمانات بهذا الشأن من قبل بعض الأطراف.

لايوجد أحد من أهل السنة يمكن أن يصوت بـ”نعم”. وعلى هذا، فإن أي تزوير في مناطقهم يكشف وبسهولة. الرافضون للدستور الأسود كثيرون جدا، من السنة والشيعة وأحزاب وتجمعات وطنية ودينية وسياسية، والأمل كبير بإسقاطة ونجاح رفضه”. ومع أن الجماعات وصفت موقف الحزب الإسلامي بـ”المشين”، إلا أنها رفضت استهدافه: “نناشد كل المجاهدين في الجماعات الجهادية ضبط النفس وعدم الانشغال بمعارك جانبية لا تخدم في النهاية إلا العدو. وإن الواجب أن تبقى فوهات أسلحة المجاهدين جميعا موجهة باتجاه واحد، هو العدو الأميركي الذي صنع كل هذه المهازل، وأعوانه الذين باعوا الدين والعرض والوطن والثروات لأعدائنا”.

قراءة خطاب الجماعات السالفة لا يكتمل دون مقارنته بخطاب القاعدة، ليتضح الفرق بين منهجين “ونذكرهم بما التزمناه، وهو أننا نقاتل هؤلاء ابتداءً لأنهم أنصار الطواغيت، والرّكن الذي يأوي إليه لتثبيت دولة الكفر والردّة على هذه الأرض. لذلك، فاننا لن نفرق في حربنا بين رافضي تعاون مع الصليبيين، وبين مدّعٍ للسنة باع نفسه لأعداء الدين وخان الله ورسوله، وأصبح ركنا في دولة تحكم بشريعة الكفر، وتلتزم بمبادئ العلمانيين. فالكل عندنا في العداء سواء، وسنبقى نقاتل حتى لا تكون فتنة”. البيان يتحدث عن الحزب الإسلامي بعد إعلانه قرار المشاركة في التصويت بـ”نعم”.

السجال السياسي الذي رافق التصويت على الدستور أهم من الدستور نفسه الذي يكرس واقعا من مصلحة الجميع تغييره. واقع يكرس هيمنة أطراف بـ”القوة” يقابله معارضة أطراف بـ”القوة”. من المستبعد أن يرفع أحد الأطراف راية استسلام بيضاء بعد إعلان نتائج التصويت.

هل تريد التعليق؟