مر الخبر الذي نشرته “الغد” عن انتحار طفل في الثامنة من عمره في الرصيفة، مرور الكرام، مع أن خبرا كهذا أهم من خبر انتحار البوعزيزي الذي أشعل ثورات الربيع العربي. كنت أتوقع أن تقدِم المدارس على إقامة صلاة الغائب على روح الطفل الموؤود الذي شعر أن اختناقه بالحزام في خزانة الملابس أرحم من اختناقه في المدرسة التي جعلته مثارا للسخرية بسبب تشويه في إحدى يديه. توقعت أن يقوم وزير التربية بزيارة للمدرسة ليعرف من خلال مأساته بعضا من أحوال التعليم الأساسي في المدارس العامة. توقعت أن تقدم مدرسة على زيارة قبره ووضع الأكاليل عليه، أن تطلق حملة باسمه .. لكن هذا الطفل لا يهم أحدا.
بحسب الخبر، امتنع الطفل عن الذهاب إلى المدرسة ابتداء، ثم أقدم على خطوة لا يجرؤ الكبار عليها، ولا نعلم كيف تعاملت الأسرة مع حالته، وهل حاولت مع المدرسة في سبيل حل المشكلة؟! لكن المسؤولية بالدرجة الأولى على النظام التعليمي الذي من المفترض أن يعلم الأسرة، وخصوصا إن كانت متواضعة ماديا وتعليميا، كيف تتعامل مع حالة بسيطة كهذه الحالة.
هذا مجتمع وحوش لا مجتمع طلاب ومعلمين، وعندما يكبرون بالتأكيد سيتفننون في أساليب الغش وسيبدعون في المشاجرات الجامعية. من أهم السمات التي تضعها منظمة البكالوريا الدولية، وهي واحدة من أعرق المؤسسات العالمية وأهمها، أن يكون الطالب عطوفا، ليس على زميله فقط، وإنما على الحيوانات والأشجار والبيئة. في ثقافتنا إرث ثري ديني وحضاري يحرم الهمز واللمز والسخرية. ويعلي من قيمة الضعفاء. وفي التجربة المعاصرة يكفي أن لدينا شخصية مثل الشيخ أحمد ياسين المشلول رباعيا والذي يشكل واحدا من أيقونات النضال الفلسطيني. ذلك كله لا يعرفه الطلاب ولا المدرسون.
هذه القيم لا مساومة عليها، وهي أساس تقدم المجتمعات. في الغرب يقيسون التقدم بمدى النجاح في التعامل مع الفئات الأضعف، سواء كانوا سجناء أم ذوي احتياجات خاصة أم نساء أم أطفالا.. والنازية هزمت واعتبرت عارا على البشرية لأنها اعتبرت الضعف والخصوصية والاستثناء عيوبا، تعالج بالإبادة.
لا يهم امتحان الثانوية العامة كثيرا، فحتى في بريطانيا، يتخرج طلبة من الدكتوراه بالغش، لي صديق انتقل إلى رحمة الله، كان من وسائل كسب العيش لديه، وهو يدرس في بريطانيا، كتابة رسائل الدكتوراه للطلاب العرب، ومنهم أردنيون بمقابل مادي. ليس مهما الشهادة ولا المعدل، المهم هو القيم التي يخرج بها الطالب من التعليم الأساسي أولا، ثم من الثانوي والجامعة، هذه القيم هي التي أوصلت الإنسان إلى سطح القمر.
في محرك البحث جوجل عندما أَدخلت كلمتي “الرصيفة، طفل” خرجت بنتائج مرعبة. تلك المحافظة تشكل واحدا من مراكز الثقل السكاني، فإن كان هذا حال أطفالها فكيف سيكونون في المستقبل؟ هل سيكون الحل هو إرسال الدرك؟ من ينتحر لا يخشى شيئا، والموت عنده أفضل من الحياة. رحم الله طفل الرصيفة، فظِل عرشه أرحب من ضيق غرفة صفية ظالمة، ومجتمع ظالم.
abuhilalah@
هل تريد التعليق؟