مقالات

مبادرة زمزم.. سياسية أم خيرية؟

حتى الآن، لم أتمكن من فهم مبادرة زمزم، وما هي غايتها؛ على الرغم من المعرفة الشخصية القديمة برموزها. وما يمكن فهمه من أدبياتها أنها حراك تنظيمي داخل الإخوان، يرشّد اندفاعتهم السياسية بعد الربيع العربي، من خلال التركيز على العامل المجتمعي غير السياسي؛ مدنيا وخيريا وثقافيا واجتماعيا.
في بداية تحرك زمزم، وفي جلسة مطولة مع د. رحيل الغرايبة، وبعد حوار معمق، لم أخرج بنتيجة. فرحيل الذي صنف مبكرا بأنه من صقور الحركة الإسلامية، واعتقل بعد أحداث جامعة اليرموك، وظل محروما من العمل إلى ما قبل عام، وزورت الانتخابات ضده في العام 2007، وجيشت الحملات ضده من داخل الإخوان ومن الدولة عندما طرح مبادرة الملكية الدستورية، يتحول اليوم إلى ناشط مدني، ينأى بنفسه عن المواجهة السياسية.
حسنا، توجد نظرية متكاملة للعمل الإسلامي البعيد عن السياسة. وهذا الباب مفتوح حتى داخل الإخوان؛ فجمعية المركز الإسلامي التي تعتبر  أكبر وقف في الأردن، أسسها رجال فضلاء لم ينخرطوا في مواجهة سياسية. ومع ذلك، استهدفت الجمعية، والخسائر التي سببها الاستيلاء على الوقف تجاوزت الخمسة ملايين دينار. وبعد خمس سنوات من التحقيق، لم نكتشف إلى اليوم قضايا الفساد التي تحدثت عنها حكومة معروف البخيت العام 2007. ومن المفيد أن تعيد الدولة جمعية المركز لأحد القائمين على مبادرة زمزم، وربما يتمكن من وقف مسلسل الانهيار في مؤسسات الوقف الذي شارك في تجميعه آلاف الناس من داخل الأردن وخارجه.
لكن في لقائه مع الصحفيين أمس، كان الحديث سياسيا؛ سواء ما تعلق بالبعد الداخلي أم الخارجي. وكانت مواقف
د. الغرايبة صادمة ومحبطة.
فعندما يهاجم قرار الرئيس محمد مرسي بقطع العلاقات مع نظام الاسد في دمشق، يتفق مع الأقلية الطائفية المعزولة التي لا تزيد على 3 %، بحسب استطلاعات الرأي في الأردن والعالم العربي. واليوم، ينظم الإخوان وحلفاؤهم واحدة من أكبر الفعاليات المناصرة للثورة السورية، فيما أنصار النظام لا يتعدون أربعين شخصا يتجمعون منذ عامين أمام السفارة في عمان. والسفير هو الذي تجاوز كل الأعراف الدبلوماسية في تدخله بالشأن الأردني، وتهجمه على الدولة والإخوان، وهو لواء متقاعد من المخابرات السورية التي لم تجف دماء المفقودين الأردنيين فيها.
قرار مرسي بقطع العلاقات مع دمشق جاء في أكبر حشد شهدته القاهرة في استادها الرياضي، ومؤيدو العلاقة مع بشار لا يستطيعون تجميع مئة شخص. وقرار مرسي تأخر كثيرا، وفي المواقف السياسية تقدمت عليه تركيا والسعودية وقطر. وبالمناسبة، فإن هذه المواقف خلال عامين لم ينتج عنها لا تدخل أجنبي مناصر للثورة، ولا فتنة طائفية ضد السنة. الحاصل منذ عامين هو أن روسيا وإيران وحزب الله يشنون حربا طائفية ضد أكثرية الشعب السوري.
أما في الانتخابات البلدية، فجاء الموقف مخيبا أكثر! وكان الأفضل لو لم يتحدث د. الغرايبة بالسياسة، وبقي في الإطار الذي أعلن عنه؛ العمل الخيري والمدني. ولو قدم لنا تصورا عن سبل إنقاذ جمعية المركز الإسلامي التي أسسها الإخوان قبل نصف قرن، لكان أكثر جدوى.
للأسف، كان من المفترض أن يشكل الغرايبة حالة سياسية متقدمة على طروحات الإخوان والدولة. لكنه في الشأن السوري الذي يعتبر محكا في السياسة العالمية؛ أخلاقيا ومصلحيا، جاء بموقف دون مواقف الجماعة، ودون مواقف الدولة.
مع ذلك، يؤمل أن تسهم المبادرة إن اختارت العمل السياسي، في إنجاز التحول الديمقراطي الذي عجزت عنه الجماعة الأم، وكذلك حزب الوسط الإسلامي!

هل تريد التعليق؟