مهما تأذّينا من الممارسات الهمجية في تويتر، نظل مدينين له من قبل ومن بعد. يكفي أن ثورة 25 يناير وُصفت بأنها ثورة التويتر. ويكفي أنه أتاح منابر لعلماء ومفكرين وناشطين ما كانت لتتاح في وسائل الإعلام التقليدية. وغدا موردا أساسيا للمعرفة، بقدر ما هو فضاء عام مشرع للحوار والتفاعل البنّاء والتأثير الإيجابي.وقد عزّز هجوم الرئيس ترامب أخيرا على تويتر من صدقيته مقارنة بالمنصات الأخرى، إلى درجة أن موظفين كبارا في منصة فيسبوك وضعوا شعاره على حساباتهم، احتجاجا على ما اعتبروه تخاذلا من مارك زوكربيرغ أمام السلطة مقارنة بتويتر. وبمعزلٍ عن وجود مصالح أو استقطاب في أميركا وراء قرار التحقق من تغريدات ترامب، والتشكيك فيها مبدئيا، فإنه أوقع ضررا ماديا على الشركة.
للأسف، تضعف هذه المبدئية أو تغيب في منطقتنا العربية، عندما لا يوقف تلويث الذباب الإلكتروني تويتر، بشكل همجي ومنهجي مخالف لقوانين تويتر وكل قوانين القذف والتحرّش والتشهير وحماية الخصوصية، لأسباب لها علاقة بوجود المكتب الإقليمي لتويتر في الإمارات، وليس لسبب آخر. فوق ذلك، تسبب الذباب في جرائم جنائية كبرى، مثل جريمة اغتيال جمال خاشقجي. كما كشفت صحيفة مترو البريطانية أن صحافياً سعودياً قُتل تحت التعذيب في بلاده، بعد كشف “تويتر دبي” هويته للسلطات، وأفادت بأن الصحفي تركي الجاسر اعتُقل في السعودية بتهمة إدارته حسابا على تويتر تحت اسم “كشكول”، كان متخصصاً في نشر معلومات عن انتهاكات أفراد العائلة المالكة ومسؤولين في السعودية حقوقَ الإنسان. ولفتت إلى أن الجاسر اعتقلته السلطات في 15 مارس/آذار 2018، ثم توفي أثناء تعرّضه للتعذيب في الحجز، بعد أن أثار غضبًا بسبب تسرّب مزعوم للمعلومات التي أدت إلى القبض عليه. وحسب الصحيفة، فإن السلطات السعودية وصلت إلى الجاسر بعد أن حصلت على معلوماته الشخصية من مكتب تويتر في دبي، الذي تورّط في التجسّس على حسابات المنشقين السعوديين. وقد تعرّض جمال خاشقجي وتركي الجاسر لاغتيال بشع، ولم نسمع عن نتائج تحقيقات، إن حصلت، تبرئ موظفي تويتر في الإمارات أو تدينهم، وهذا مهم، ليس لحماية غيرهما، بل إنصافا لهما واعتذارا.
فوق ذلك، جاءت قصة أحمد أبو عمو، موظف تويتر الذي تلقّى رشى من مدير المكتب الخاص لولي العهد السعودي، وتجسس على ستة آلاف حساب، هو والسعودي علي الزبارة، لتعمّق الشكوك والمخاوف، ولم يصدر عن مكتب دبي توضيحٌ عن حجم الأضرار التي تعرّض لها المستخدمون نتيجة هذا الاختراق المثبت في القضاء الأميركي. ولم نعرف، نحن المستخدمين، عن علاقة المسؤولة كندة إبراهيم بمؤسسة مسك، فهي مسؤولة كبيرة في مكتب دبي، ومدير مسك متهم بتجنيد أبو عمو.. هل توقفت علاقتها بمسك؟ ما طبيعة العلاقات مع مسك أصلا؟ وهل ترتبت عليها مصالح للموظفة من تويتر؟ هل تقاضت عمولةً أو ترقيةً من تويتر بسبب العلاقة مع مسك؟ من حقنا أن نعرف.
بعيداً عن كل هذه التفاصيل، الإمارات مثل الصين في الحريات العامة، وتصنّف من أكثر الدول قمعية لحريات الإنترنت، ولديها سجل حافل في التجسّس والقرصنة والقمع، وفوق ذلك في الغواية والرشوة والتجنيد. كيف يمكن أن تعمل مؤسسةٌ مهنيةٌ، مثل تويتر، في هذه الظروف؟ وهل يوجد لدى ملايين المستخدمين أي حماية أو ضمانة؟ هل يمكن لأي معارض عربي أن يذهب إلى الإمارات ويقاضي أحدا؟ هل يستطيع ذلك أي حامل للجنسية القطرية؟
.. شهدنا خلال الشهر الماضي حملة في منتهى الوضاعة والسفالة والانحطاط على إعلاميين جلّهم من قناة الجزيرة، واشتكى كثيرون منهم من أن الردود بالعربية من تويتر كانت على تبليغاتهم إن الحساب لا ينتهك قوانين تويتر، وأحيانا يردّون أنه ينتهك من دون إجراء، واستغرق إغلاق حساب يمارس التحرّش المنهجي أكثر من شهر.
وفي سلسلة تغريداته، رصد الخبير في تويتر، مارك جونز، أحد أوجه الحملة، خصوصا على المذيعتين غادة عويس وعلا الفارس، من قناة الجزيرة، تعرضتا لـ25 ألف تغريدة وإعادة تغريد، فيهما كل ما ينتهك قوانين تويتر، وأن تويتر “متردّد في فعل أي شيء”، ولن يستطيع فعل أي شيء، في بلدٍ يقود المغرّدين فيه حمد المزروعي الذي يمارس كل أشكال التحرّش والتنمّر والعنصرية، ويحظى بدعم أعلى مستوى قيادي وتوجيهه.
الحل ببساطة حتى نحمي تويتر هو نقل مكتب تويتر إلى تونس، لأنه البلد الديموقراطي الوحيد في العالم العربي، عاجلا، حتى لا يقتل صحفيون غير خاشقجي والجاسر اللذيْن لم يعثر على جثتيهما، ولم يحاسب من اخترق حساباتهما وحسابات آخرين كثيرين. مع ملاحظة أن جرائم الاغتيال المعنوي تتم بالوحشية والخسة والوضاعة نفسها، من دون أن يقوم مكتب تويتر في دبي بدوره.
هل تريد التعليق؟