عندما تضع حركة حماس مروان البرغوثي على رأس قائمة المبادلة مع الجندي الأسير تضرب عدة عصافير بحجر واحدة. فهي تؤكد، وبعد الحسم العسكري في غزة، أنها لا ترى في فتح عدوا استراتيجيا لها، وتفصل بين عداوتها لـ”أجهزة أمن دايتون”، وتحالفها مع مناضلي فتح ومنهم أمين سر الحركة في الضفة الغربية.
في المقابل عندما يقضي مجد البرغوثي تعذيبا في سجون المخابرات الفلسطينية يصيب حجره عدة رؤوس في سلطة عباس، وليس فقط جهاز المخابرات الفلسطينية الذي بات يعمل بإشراف الرئيس وحكومته ولم تعد الأجهزة يعمل كل لحسابه.
وبقدر ما أبدت حماس مسؤولية في إدراجها مناضلين من فتح في قائمة التبادل، بدا التعامل الفتحاوي مع قتل مجد البرغوثي عصبويا فجا. ففي الوقت الذي تحرك غير الفتحاويين مثل حسن خريشي وحنان عشرواي وخالدة جرار من أعضاء المجلس التشريعي تجاهلت كتلة فتح عملية القتل البشعة وتبنت رواية المخابرات المتهافتة. فالرجل يقضي بعد أسبوع من اعتقاله بسبب “التدخين بشراهة”! وهو لم يدخن في حياته ولم يشك من أمراض في القلب.
لا يجوز أن يتحول موضوع قتل مواطن فلسطيني تعذيبا، إلى مسألة فنية وسجال طبي، فلو صدقنا رواية “تضخم عضلة القلب”، وهي رواية نفاها الأطباء أولا وذوو مجد البرغوثي ثانيا، لكان يفترض بجهاز الأمن أن يجري فحصا طبيا للمعتقل ويراعي حالته الصحية لا أن يخرج جثة متورمة من الضرب.
في جريمة كهذه وفي أي مكان حصلت لا يقبل أقل من الإدانة والمحاسبة، ولا يصلح التخندق السياسي ستارا لغض النظر عن انتهاك مروع كهذا. خصوصا أنه ليس الأول في سجون السلطة، ويؤمل أن يكون الأخير.
من السخف القول أن موضوع حقوق الإنسان ليس أولوية للفلسطينيين هذه الأيام. فمعيار جدارة أي طرف فلسطيني ليس في مقاومته للاحتلال فقط، وإنما في احترامه لحقوق الإنسان الفلسطيني، وعندما فرقت حماس تجمع فتح في الصلاة لقيت إدانة تستحقها، لكن بالمحصلة ظلت اختراقات حماس لملف حقوق الإنسان أقل كثيرا من اختراقات فتح، وهنا تبدو المقارنة في أوضاع السجون والاعتقالات معيارا أساسيا.
في ظل الحملة الدولية والإقليمية على حماس، شهدت الضفة الغربية استباحة للحركة مقرات ومؤسسات خيرية وأفرادا ونشطاء. ومع أن تلك الاستباحة وجدت توثيقا لها في سجلات منظمات حقوق الإنسان، إلى أن كثيرا من النخب العربية تواطأت مع أجهزة الأمن الفلسطينية حتى عندما وصل الأمر إلى القتل تعذيبا. وهو تواطؤ لم يجده نظام عربي بما فيها الأنظمة البترولية. لنتخيل لو أن مجد البرغوثي ناشط سوري كيف سيتعامل مع ملفه؟
لا تدري النخب العربية الصامتة على جريمة بهذا الحجم أن الشارع الفلسطيني ليست لديه حساباتها الصغيرة، ومن يتصدى لوحشية الاحتلال لعقود لا يرهبه جهاز أمني عاجز عن حماية نفسه أو شعبه. لذا كان التحرك الشعبي الفلسطيني، من خلال التظاهرات في بلدة كوبر التي كان البرغوثي إماما لمسجدها، سريعا رفضا للجريمة البشعة.
في هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها الشعب الفلسطيني لا يجوز التهاون في مسألة حقوق الإنسان سواء من سلطة فتح في رام الله أو من سلطة حماس في غزة، وقد أثبت الشعب الفلسطيني أن حساسيته ما تزال فاعلة في حقوق الإنسان على رغم حال الاستقطاب السياسي.
هل تريد التعليق؟