يعيش المشرق العربي مرحلةً يمكن وصفها بالغروب، فدوله المركزية فقدت وزنها الاستراتيجي، ولم تعد لها جاذبيتها التي اكتسبتها في التاريخ العربي المعاصر، لصالح دول المغرب العربي الذي يبشر بإمكانية أن تشرق الشمس من المغرب!
ليس تحليلا، تفيد المعلومات بأن دول الثورة المضادة، ومعها فرنسا وإسرائيل، تدرك خطورة نجاح الحراك الجزائري، ونهوض دولةٍ بمقدرات الجزائر، جغرافيا وسكانا واقتصادا وجيشاً.. وعقدت اجتماعاتٌ خرجت بضرورة تحريك المسألة الأمازيغية في الجزائر، لحرف الحراك عن أهدافه وإشغاله باحتراب أهلي.
لإسرائيل يد طولى في صناعة الأقليات، وتأطيرها لصالحها، واستخدامها لضرب الدول العربية. وتمكّنت من اختراق الأمازيغ، إلى درجة وجود أمازيغ يهود، مع أن اليهودية ديانة غير تبشيرية. للأمازيغ خصوصية ثقافية، لكنهم مواطنون لا أقلية، من حقهم أن يقودوا لا أن ينفصلوا، فطارق بن زياد وعبد الحميد بن باديس ومحمد عابد الجابري وغيرهم من رموز تاريخية وفكرية أبطال في الوجدان العربي بعامة، لا في المغرب بخاصة. ولا داعي لمجاملة الأمازيغ والنفاق لهم، الدولة العربية الحديثة رسبت في اختبار المواطنة، وتعاملت مع الخصوصيات الثقافية باعتبارها مؤامرة غربية.
عندما ينجح التحول الديمقراطي في الجزائر، سيجد الأمازيغ ألف طريقة للوصول إلى مطالبهم المشروعة في إطار الدولة الوطنية. ولكن استخدام المطالب المشروعة وغير المشروعة اليوم لابتزاز الحراك، ووضع العصا في دواليبه، ضار بالأمازيغ بخاصة والجزائر بعامة. توجد ألغام هوية في أي مجتمع، سواء طائفية أم أقوامية (إثنية) أم جهوية، والدول الفاشلة هي التي تسير على حقول الألغام، والناجحة هي التي تنزع فتيلها بصناعة هوية جامعة ومركّبة ومرنة ومنوعة.
يحاول أعداء الحراك الجزائري استثمار الخلاف مع المغرب، ولذا فإن المصالحة معه ستغلق باباً مهماً تأتي منه الرياح. لقد نجحت دول الثورة المضادة في صناعة انقسام جهوي في ليبيا، وأغرقت البلاد في حربٍ أهلية، وهذا ما يخطّط للجزائر، لكن نجاحه غير وارد بسبب قوة الدولة وتماسكها.
يحتاج العالم العربي إلى حل الخلاف المغربي الجزائري الذي سيشكل رافعةً للوضع العربي المنهار. وقد نجح المغرب في تجنيب بلاده ويلات الثورات المضادة، وانعكس ذلك على سياساته الخارجية المتوازنة القريبة من سياسة الجزائر، سواء في ليبيا أم الأزمة الخليجية أم القضية الفلسطينية. والوضع المغاربي يدعو عموما إلى التفاؤل، قياسا بالوضع في المشرق العربي. لم يتعاف العراق من جراحه، سورية تنزف، نجح محمود عباس في تجميد القضية الفلسطينية وأفقدها جاذبيتها، موقفه الرافض لصفقة القرن سجله نقطة تفاوضية، لا نضالا يزج به العالم العربي، أما مصر والسعودية فقد انضمتا إمارتين، ثامنة وتاسعة، للإمارات العربية المتحدة.
هذه دول غاربة تسير عكس طموحات الإنسان العربي وأشواقه ومصالحه. ونبقى بانتظار شروق الشمس من مغربها.
هل تريد التعليق؟