مقالات

مرة أخرى حول أخبار الجرائم

نحتاج إلى حوار جدي معمق يشارك فيه خبراء للتوافق حول كيفية التعامل مع أخبار الجرائم، وخصوصا الفظيع منها، بحيث لا يكون النشر خدمة للجريمة وإشاعة لها وهدما لبنيان الأسرة.

مناسبة الحديث هي “جريمة النزهة” في الزرقاء، التي تعبر عن شذوذ لم ولن يشكل ظاهرة في المجتمع الأردني ولا المجتمعات البشرية.

أن يغتصب الأب ابنته بعلم الأم أو بتواطئها، ثم يقتل البنت أثناء عملية إجهاض فاشلة، جريمةٌ مكانها محكمة الجنايات الكبرى، توثّق إعلاميا في حيز يختص بأخبار الجريمة، يعرض الجريمة باختصار يستفيد منه الخبراء والباحثون، ولا يحتفى به على الصفحة الأولى، تماما كالحفاوة بأخبار الدعارة ومتابعة سوقها وآليات عملها.

لا بد من ثقافة جنسية من خلال الأسرة والمدرسة، ولا يترك المراهقون نهبا للمواقع الإباحية، ولهمسات أقرانهم. ونحن مجتمع مفتوح لا يوجد فيه أسرار، ومديرية الأمن العام تتبنى سياسة شفافة في أخبار الجرائم لم يتعامل معها الإعلام بشكل علمي مدروس. فالمادة الخام لا بد أن تخضع للتحرير وتوضع بالمكان اللائق وبالحجم اللائق.

بحسب التحقيق، الذي نشرته “الغد” للزميلة مجد جابر، تقول مديرة وحدة الدعم الأسري خط 110، زين أبو عناب إنَّ عدد حالات الإساءة الجنسية التي وصلت الوحدة العام الماضي كان 38 حالة.

وسجلت في الوحدة 23 حالة تحرش جنسي، و6 حالات اغتصاب، والباقي أنواع أخرى، ولفتت أبو عناب الى أنه، بالإجمال، نصف الحالات هي من داخل الأسرة. وفي إحصائية، نشرتها إدارة حماية الأسرة بالأمن العام في العام 2005 أشارت إلى تلقيها 640 بلاغاً من الأهالي بتحرش أو اعتداء جنسي على أطفالهم، ومن هؤلاء الأطفال 379 أنثى والباقي ذكور.

تقول إسراء الطوالبة، أول طبيبة شرعية في المملكة الاردنية، إن هناك من 1300 إلى 1400 حالة اعتداء جنسي على الأطفال سنويا في الأردن، ذلك استنادا إلى نتائج إحصاءات ودراسات رسمية. وأضافت أن هناك حوالي خمسة آلاف شكوى حول تعرض نساء إلى الاغتصاب تسجل سنويا، لكن ما بين 60 إلى 70 حالة فقط تثبت صحتها.

هذه الأرقام لا تشكل ظاهرة، ولا ارتفاعا بالقياس على المعدلات العالمية. لكن التعامل معها يجب أن يتم بأقصى درجات الحذر، وبسوية أخلاقية عالية بعيدا عن منطق السبق الصحافي.

نحتاج إلى مبادرة من نقابة الصحفيين أو معهد الإعلام الأردني، يلتقي فيها الخبراء في علم النفس والشريعة والقانون والتربية، والإعلام لوضع ميثاق شرف حول التعامل مع أخبار الجريمة، حتى يسهم الخبر في الحد منها لا في زيادتها وتحويلها إلى أمر طبيعي منتشر، لا شاذ معزول.

كما فعلت في خبر “جريمة الرابية” عندما أقدم أب على الانتحار بعد قتل أفراد أسرته أخفيت الصحيفة عن صغاري، فالناطق باسم مديرية الأمن العام محمد الخطيب، وهو المعتاد يوميا على قراءة تفاصيل الجرائم اشمأز من جريمة النزهة ولم يستطع إكمال التقرير، فكيف بالأطفال الذين يفترض أن تظل صورة الأب والأم طبيعية في أذهانهم يستمدون منها الدعم والعون والحنان، لا مشوهة شاذة، كما في أخبار الجريمة!

الخطيب أبلغني بأن العام الماضي شهد 6 جرائم سببها الانحراف الأخلاقي، بمعنى أن نسبة مثل هذه الجرائم في المجتمع الأردني لا تتعدى واحد بالمليون، وهي نسبة لا تستحق إشهارها على صدر صفحات الجرائد!

هل تريد التعليق؟