مقالات

مرحبا دولة الجنوب.. “باي باي سودان”

إذا كان السودانيون من أهل الشمال، وهم عرب أقحاح، يعاملون بعنصرية بوصفهم “عبيدا” في العالم العربي نظرا لشدة سمرتهم، فكيف بأبناء الجنوب ودارفور من الأفارقة ذوي اللون الأسود  الصافي؟ في موطنهم السودان يعاملون بعنصرية، سواء على صعيد العمل السياسي أم المصاهرة الاجتماعية وغيرها من مناشط الحياة. وقد ظلت هذه سمة الحياة العامة في السودان الحديث لا خطيئة لنظام بعينه.

والعنصرية، سواء كانت مع الكرد أم الأفارقة أو أي مكون ثقافي، لا تنتج غير الاغتراب والاحتراب الأهلي وصولا إلى الانفصال. وليس من بلد عربي بمنأى عن “السودنة”. والاختلاف في الترتيب لا النوع، ربما يتنافس على الترتيب الثاني العراق أو اليمن أو لبنان.. وكل بلد يبحث متى يأتيه الدور، ليس بتدبير الصهيونية العالمية وحدها وإنما بشراكات استراتيجية مع العنصرية المحلية، والتعصب والجهل والانغلاق والفساد، وغير ذلك من جيوش قادرة على تفكيك الصين الشعبية والولايات المتحدة الأميركية.

لا تبدأ المشكلة بفرض تطبيق غبي للشريعة الإسلامية، تبدأ عندما يرفض شمالي أن تقترن ابنته بجنوبي بسبب اختلاف اللون. وبعدها “يطرمك” بالحديث عن بلال الحبشي وعن المساواة في ظل “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. والشريعة في جوهرها ليست استقواء، بالشبهة، على بغي في شارع في مشهد همجي، بل العدالة التي تجفف كل مظاهر الظلم واسوؤه تجارة البشر.

والشريعة في أصل أصولها حفظ النفس، لا هدر عشرات آلاف النفوس عبثا، ولا يكف الرئيس البشير إلى اليوم عن انتهاك “الشريعة” واستخدامها أسوأ استخدام، فالشريعة ليست نظام حياة يحقق العدالة والسعادة والرفاه للبشرية، بل عقوبة لأبناء الشمال على الانفصال! قالها بصراحة: إن انفصلتم طبقنا الشريعة، أي هي عقوبة يهدد بها وليست منحة ينعم بها أبناء الوطن الواحد.

مقابل البشير صورة أسوأ لـ”الشريعة” الجنوبية. وسيصدم المبشرون بالانفصال من الشهور الأولى بفظاعة دولة الجنوب التي سترد بشريعة أخرى، عنوانها الفجور والتحلل من أي قيم دينية وأخلاقية، وسيكون مرض الإيدز واحدا من أبرز صادراتها. لا يقول هذا البشير، يقوله مراسل صحيفة الإندبندنت الذي كتب تحت عنوان “من داخل عاصمة أحدث دول العالم.. دولة فاشلة قبل ولادتها؟” ان الانفصال سيكون “شبه مؤكد في أكبر الدول الأفريقية، ولكن من غير المعروف كيف سيكون هذا البلد الجديد، فالاستفتاء في جنوب السودان يأتي في لحظة يبدو فيها أن الكثير من المشككين يشيرون إلى أن الدولة الجديدة ستكون أول دولة فاشلة في العالم يسجل فشلها حتى قبل تأسيسها”.

كتب المراسل متناولاً مجموعة من المظاهر التي تتناقض مع مظاهر الدولة، سواء على صعيد المحاكم أو انتشار بيع خدمات الجنس بأسعار زهيدة في مجمعات تضم مئات الفتيات، بعضهن قصّر، إلى جانب بداية انتشار الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً.
هذه هي الماسأة. فتاة تجلد في الشارع العام، وأخرى تُباع علانية في الشارع العام. وسواء اتصل وطن كهذا أم انفصل فما هو بوطن، فالأوطان ببساطة هي التي يعيش فيها مواطنون بكرامة، لا يتعرضون للقتل والاغتصاب ولا يتاجر بثرواتهم وأجسادهم. قالوا في الجنوب “باي باي سودان”، ولا نقول لهم وداعا، بل نقول إلى لقاء في أوطان تجمعنا مواطنين، بمعزل عن ألواننا جلدا وفكرا.

هل تريد التعليق؟