تخيَّل الثائر الأممي تشيه جيفارا أن أميركا ستحتل يوما كوبا، وتعتقله وتقدمه للمحاكمة باعتباره إرهابيا لا ثائرا. في المحاكمة، يترافع عن نفسه، والمرافعة هي كتابه “التاريخ سينصفني”. اليوم، في ظل الاختبار الصعب في مصر، والأسئلة المعقدة، يمكن القول إن من يكتب التاريخ ببرود سيمتلك القدرة على إنصاف أول (وربما آخر) رئيس مدني منتخب لمصر منذ عهد الفراعنة. <br/> <br/>تحتاج الإجابة عن أسئلة مصر الصعبة تفصيلا. لكن الإجابة الأولى هي بنعم أو لا، وبعدها تفاصيل. فما حصل مع رئيس مصر الشرعي محمد مرسي يجاب عنه بـ”لا”. غير أنها لا تعني أنك تقول نعم لكل ما فعله الرجل خلال عام، ولا نعم لكل ما فعلته جماعة الإخوان المسلمين خلال العامين الماضيين، ولا خلال ثمانية عقود من تأسيسها، تماما كما أن الـ”لا” لا تعني إنكار الحشود المليونية الرافضة له، ولا تعني إعطاء الشرعية للغة العنف والطائفية والتحريض بحق الانقلابيين. <br/> <br/>ما حصل هو انقلاب عسكري أنهى ثورة 25 يناير التي رفعت شعار الدولة المدنية والديمقراطية. وما شهدناه أول من أمس عسكر يباركهم عسكر ورجال دين وآخرون، ليس فيهم واحد جاء عبر الصندوق. وما فهمناه من سدنة الديمقراطية أنها لا تعني الصندوق، ومن لا يقبل به يحتكم للقوة. وهذا أخطر ما في الانقلاب؛ أنه أعطى الشرعية لمن يملك الدبابة لا من يملك الصندوق. <br/> <br/>لا يوجد انقلاب معزول شعبيا. كل الانقلابيين كانت لهم قاعدة شعبية، واستغلوا إخفاقات المدنيين؛ سواء ضياء الحق، أم برويز مشرف، أم صدام حسين، أم خالد نزار، أم كنعان إيفرن، أم جنرالات أميركا الجنوبية، وصولا لعبدالفتاح السيسي. وفي إسبانيا، ظل الجنرال فرانكو يقاتل ومعه قاعدة شعبية إلى أن توفي العام 1975. وفي العام 1982، احتل الجيش مجلس النواب والملك هو الذي أحبط الانقلاب. ولا عاقل يقول إن العسكر جاؤوا بالخير لبلادهم؛ في العام 1975 كان اقتصاد إسبانيا مثل اقتصاد مصر، وفي العام 1997 كان اقتصاد تركيا مثلهما، وقارن بينهم اليوم! <br/> <br/>قد يلقى مرسي مصير ذو الفقار علي بوتو وعدنان مندريس اللذين أعدمهما الجيش في باكستان وتركيا؛ وقد يكون مثل أربكان ونواز شريف اللذين أنهيا حكم العسكر وحاكموهم. اختار نهايته وفي التسجيل الأخير له بعد عزله كان مؤمنا بما يقول، وفي كلمة مرتجلة كان أكثر ثقة من وزير الدفاع السيسي والحشد الذي صحبه. <br/> <br/>لاحقه التزوير الإعلامي حتى بعد الانقلاب؛ نشرت فيديوهات قديمة له قبل الرئاسة. فيديو أيام كان نائبا، وكان المرشد محمد عاطف وليس محمد بديع، والذي يسأل أين مرسي ويراجع معه البيان الصحفي. فيُنشر الفيديو باعتبار أن المرشد هو محمد بديع، وأن مرسي رئيس يعود إليه. الفيديو الآخر لدى اعتقال نجله بعد خلاف مع ضابط سير بعد الثورة. وتشاهد الهمجية في التعامل مع قيادي في حزب يملك الأكثرية النيابية وقتها. <br/>أول قرار بعد عزل الرئيس المنتخب كان قطع بث كل القنوات المصرية المتعاطفة معه. وقطع بث قناة الجزيرة. <br/> <br/>هذا القرار استفز ريما مكتبي، أبرز مذيعات “العربية”؛ القناة المنافسة والمختلفة في تغطيتها، فكتبت على حسابها بعد وصف ما جرى في مصر بـ”الثورة المضادة”: “هل هذه هي الديمقراطية! أن تمنع محطات تلفزيونية مصرية وعربية مثل الجزيرة؟”. الجواب الواضح: إنه الاستبداد بأبشع صوره، وهو ما لم يفعله مستبد عتيق مثل مبارك. <br/>التاريخ سينصف مرسي، ليس لأنه أول رئيس مدني منتخب جاء بالصندوق وخرج بالدبابة. <br/>[email protected] <br/> <br/> الغد</p></div></h4>
هل تريد التعليق؟