تحاول صغيرتي آية (11عاما) انتزاع دقائق إضافية على شاشة الحاسوب من أجل إتمام الحصاد، أو تسميد المزروعات وغير ذلك من نشاط فلاحي في ” الفيس بوك”. وأمام رفضنا أنا والأم تمديد وقت الحاسوب تشعر بالأسى على المحصول الذي خوى على عروشه. وهي مع قريبات وصديقات تعيش حياة افتراضية ثانية تعيشك في مجتمع زراعي فيه حقول وشجر وخراف وغزلان ودجاج و..خنازير!
في إيجابيات المزرعة الافتراضية أنها تنمي حب الزراعة والتعلق بالأرض، وتطور العقلية التجارية للطفل الذي يشتري ويبيع ويتبادل، وذكرني ذلك بنشاط الأميركيين في الجنوب، إذ يعطون الصغير عجلا رضيعا يعتني به وبعد أن يكبر يبيعونه بمزاد، وهو تقليد يعمق ثقافة رعاة البقر الذين قامت أميركا على أكتافهم.
ذلك وغيره لا يخفي خطورة إدمان الأطفال والكبار على الوهم، ولا تعجب إن وجدت كبارا يدمنون على مزارع الفيس بوك وقبلها على ” البلاي ستيشن”. وعلى الشاشات تدور رحى معارك ضارية تتصلب دونها الأصابع وهي تنقر لوحة المفاتيح. ويتشوه العقل والوجدان في شره على وهم، وتزدهر سلوكيات المقامرة بكل ما تمثله من انحطاط خلقي.
وفي بلد تنحسر رقعته الزراعية وتشح مياهه نحتاج إلى تشجيع ثقافة الزراعة، ولا بأس أن يكون الافتراضي في خدمة الواقعي، زراعة زيتونة حقيقية والعناية بها مقابل مزارع الوهم. في جامعة اليرموك كان مساق خدمة المجتمع يتضمن ” جد الزيتون”، ولو أن المدارس تقوم بنشاط كهذا فإن الطالب يألف الزراعة ويدرك أهميتها.
” الكيبوتس” كان من الأركان التي قامت عليها دولة العدوان الإسرائيلي، وفي المجتمعات الزراعية تطورت ثقافة التكاتف والتعاون والإنتاج. هنا ثقافة “التطوير العقاري” أي طمس الأرض الزراعية بالإسمنت والإسفلت. وغدت الزراعة عبئا على الأمن المائي في بلد يعتبر من أفقر خمس دول في المياه على مستوى العالم.
لا نحتاج إلى شعارات مستهلكة عن أردن أخضر بقدر ما نحتاج إلى ثقافة عامة تدرك خطورة التصحر باعتباره تهديدا وجوديا لحيواتنا. بوجود الوعي العام يمكن للدولة والمجتمع الحد من التصحر بسياسات ذكية تستخدم آخر ما استجد من تطور تماما كما تستخدم الموروث ثقافيا. فالزراعة علم وتجارة ولم تعد جباها لوحتها الشمس وزنودا سمرا وحبات عرق. حدثني رجل أعمال أردني عن رخص أسعار الأراضي الزراعية في البوسنة البلد الذي يرواح معدل تساقط الأمطار فيه من 1000 إلى 2000ملمتر، وسمعت من آخر عن استثمارات في رومانيا وكازاخستان والسودان وغيرها .. بالنتيجة لسنا بلدا زراعيا، ومن الأفضل أن تنقر الزنود السمر على لوحة المفاتيح من أن تحفر في أرض شحيحة المياه.
في الحديث الشريف ” لو قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليزرعها”، أي أنه في نهاية الحياة يبقى واجب إدامة الحياة التي ترمز إليها الفسيلة بنت الماء الذي جعل منه كل شيء حي. وإن شح الماء على الأرض فهو وافر في مزارع ” الفيس بوك”. وربما تكون مخرجا لوزارة الزارعة الساعية لتحقيق الأمن الغذائي في عام الزراعة.
هل تريد التعليق؟