كم يدمي القلب منظر قوات مكافحة الشغب المصرية وهي تنقض على أسر “الإخوان” المحكومين نساء وأطفالا وشيبا، مع أن المشهد جسّد وحشية الأحكام الصادرة عن محكمة عسكرية عرفية غير دستورية. ولا يملك الإنسان غير مشاعر الأسى للحال الذي آلت إليه مصر التي باتت سجنا يفتقد فيه الناس أبسط مقومات المعيشة من خبز وحرية. <br/> <br/>يخال من يستمع إلى الأحكام أنها صادرة بحق أرباب سوابق أو عتاة المجرمين، فهي سرية لا يطلع عليها المحامون! وتكفي قراءة السير الذاتية للمتهمين لنعلم أنهم يمثلون رأس الهرم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في المجتمع المصري. ومن هنا نفهم معنى مصادرة الأموال والأملاك. <br/> <br/>لم تبدأ الوحشية بالأحكام بل في الاعتقالات التي صودر فيها حتى ذهب النساء! وهو ما يعكس الرغبة في إذلال هذه الطبقة الاجتماعية التي جمعت ثرواتها بالحلال، وليس من خلال استثمار المواقع وتحالف رجال الأعمال في لجنة السياسات في الحزب الحاكم. <br/> <br/>جاء توقيت الأحكام غريبا، فمصر تمر بأزمة اقتصادية طاحنة لم تظهر أحداث المحلة غير رأس جبل الجليد منها، وهو ما يتطلب تنفيس الاحتقانات السياسية وإشراك الإخوان في المسؤولية. ما حصل يخالف المنطق، وهو ما لا يستغرب من عقلية الحاكمين في مصر. <br/> <br/>اختارت الدولة المواجهة الشاملة مع الاحتقانات السياسية والاجتماعية، وبدورها سترد القوى السياسية والاجتماعية بمواجهة شاملة مع الدولة. فلا فرق بين جورج إسحاق، الأمين العام لحركة كفاية، ولا خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد. والاثنان يوحدهما عمال المحلة. <br/> <br/>تدرك الدولة المصرية أكثر من غيرها قوة الإخوان المسلمين، وهي تعلم جيدا جماهيريتهم وقدراتهم التنظيمية. ومع تغييب المنطق يمكن فهم حماقات المواجهة. مع استدراك أن الدولة ربما تراهن على إذعان الإخوان أمام الضربات. والراجح أنهم ليسوا بهذا الضعف ولا الخور. وسيردون على المواجهة بمثلها، مع اختيار التوقيت المناسب. <br/> <br/>من يقرأ التاريخ يلاحظ أن النزق ملمح بارز للنظام المنهار، بخلاف الأنظمة المتماسكة التي تميل إلى التفاهم والاحتواء. وزائر القاهرة يعرف من سائق التاكسي مدى الغضب الذي يغلي في صدور الناس. ولا تصلح هنا المقارنة بعهد عبدالناصر. ففي أثناء مواجهته مع الإخوان كان يمتلك كاريزما أسرت قلوب العالم العربي لا المصريين وحدهم. وفوق ذلك كان زعامة عالمية تحمل مشروعا قوميا. ولم يكن نظامه مهترئا كما الحال اليوم. <br/> <br/>وفي التاريخ القريب ثبت أن الجيوش وأجهزة الأمن سريعا ما تحيد نفسها عند المواجهة الفاصلة. حدث هذا في إيران وفي رومانيا والدول الاشتراكية. فهم جزء من الشعب وليسوا قوات احتلال، ولا يربطهم بالنظام ولاء سياسي ولا مصلحي. على العكس لا تحظى سياسات النظام المصري بالشعبية ولم تعد الدولة قادرة على تلبية مصالح الشريحة الواسعة المنتمية للجيوش وأجهزة الأمن. <br/> <br/>وبمعزل عن مسار الأوضاع في مصر، لا بد للقوى السياسية والمجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان في مصر وخارجها أن تتحرك احتجاجا على المجزرة العرفية. ولا يجوز أن يشعر المناضلون وذووهم أنهم وحدهم في مواجهة دولة متوحشة. <br/> <br/>[email protected] <br/> <br/>الغد.</p></div></h4>
هل تريد التعليق؟