مجلة النيوزويك ذائعة الانتشار سبق أن أعدت ملفا عن سكرتيرة مدير شركة جنرال موتورز وفيه تفاصيل مذهلة عن دورها الحاسم في إدارة مدير الشركة العملاقة. من المؤكد أن السكرتيرة القديرة ليست هي المعنية بالإعلانات التي تتخم الصحف تحت عنوان “مطلوب سكرتيرة “. وهي إعلانات ربما كان من المناسب أن تشن عليها ناشطات الحركات النسوية حملة لإلغائها بمناسبة يوم المرأة العالمي، فهي لا تعكس تمييزا إيجابيا للمرأة بقدر ما تعبر عن اضطهاد لها في سوق العمل.
الإعلانات إياها لا تتحدث عن مهارات ولا خبرات وهي ليست أكثر من حيلة لاستغلال فتاة حسنة المظهر محدودة الكفاءات. وعن معاناة تلك الشريحة ثمة مآس يمكن أن تشكل مادة خصبة لتحقيق صحافي. فتجد، مثالا لا حصرا، ثلاثة محامين يتشاركون في سكرتيرة لا يصل راتبها إلى مائة دينار، وهو يقل عن راتب حارس العمارة الوافد وكذلك عن راتب الخادمة الآسيوية.
بعض الفتيات بحاجة ماسة إلى أقل القليل، وبعضهن بحاجة إلى الخروج من المنزل وإثبات الذات في سوق العمل، ومنهن من تبحث عن سراب الخبرة. وكنساء وإن تعرضن للاستغلال والإساءة لا يفضلن اللجوء إلى الشكاوى والمحاكم. طبعا الحركات النسوية معنية بقضايا أخرى غير هذا الاستغلال، وهي قضايا عادة ما يبرمجها التمويل الأجنبي.
مقابل وظائف تافهة بلا معنى تحرم كثير من الفتيات القديرات من الوظائف، وكم من حاصلة على الترتيب الأول على دفعتها، شقي ذووها لتأمين أقساط الجامعة، لا تجد من يستقبل طلب التوظيف لأن مظهرها ليس مبتذلا أو لأنها لم توهب الجمال الكافي لملء الشاغر الوظيفي.
الاضطهاد الذي تتعرض له المرأة يختلف من مجتمع لآخر، ولا يجوز تعميم نماذج الاضطهاد أو استيرادها. ففي الوقت الذي تكون فيه قضية المرأة في المجتمع العربي هي الخروج من البيت تجد في المجتمع الغربي قضية معاكسة تماما وهي إيجاد البيت. فقيمة الأسرة همشت إلى درجة كبيرة، ولم يعد لدى الرجال رغبة في تحمل أعباء البيت والعائلة، حتى الشراكة بدون رابطة الزواج تجد تحديا من شراكة الليلة الواحدة. عندنا ثمة من أطلق حملة لا للزواج المبكر.
تاريخيا كان إقدام هدى شعراوي على نزع الحجاب شعارا لحركات تحرير المرأة. في المقابل كان شعار تحرير المرأة غربيا في سبعينات القرن الماضي هو حرق “حاملة الصدر”، أرادت المرأة الغربية أن تقول ها أنا جسد عارٍ ماذا تريدون مني. لكن ما خيب آمال حركات تحرير المرأة في الغرب، أن دهاقنة الأزياء اخترعوا نوعا غير مسبوق من “حاملات الصدر” يمعن في إبراز مفاتن المرأة باعتبارها جسدا!
مع ذلك يبدو جوهر اضطهاد المرأة واحدا، من خلال النظرة لها باعتبارها جسدا. تارة يراد دفنه حيا بحجة حمايته وصيانته وتارة يراد تعريته وتسليعه بحجة تحريره. ليس من خلال التعامل الاجتماعي بل من خلال تحويله إلى استثمار حقيقي. تجارة الرق الأبيض تقدر بالمليارات عالميا، لكن ما لا يقل سوءا عنه هو الرق غير المباشر الذي يبث على مدار الساعة في فضائيات الجواري. جوارٍ من مختلف الألوان والمقاسات يسعّرهن “النخاس” وفق واردات رسائل الإس إم إس.
“مطلوب سكرتيرة” مؤشر على نظرة سلبية للمرأة. وعلى الصحف ألا تقبل إعلانات كهذه، وإلا فلتوحد كل الإعلانات بصيغة المؤنث: مطلوب مهندسة، مطلوب طبيبة!
هل تريد التعليق؟