مقالات

معان ليست ملفا أمنيا

يسهل الحديث عن معان باعتبارها ملفا أمنيا، سواء من حيث مخالفات السير أو المطلوبين الجنائيين أو السلفيين الجهاديين. ومن خلال قراءة التجارب القريبة والبعيدة في أحداث معان المزمنة يلاحظ أن كل الحلول والمقاربات أمنية. وهي تنجح بالعادة في تسكين المنطقة سنة أو أكثر ثم تتجدد الأحداث بشكل مختلف، وآخرها الأسبوع الماضي، ففي يوم واحد قضى أربعة أردنيين بطريقة مؤسفة. وبدون انتظار نتائج التحقيق فإن ما حدث مروع، ولم يلق أي اهتمام لا سياسيا ولا اعلاميا، وهو ما يطرح سؤالا عن دور المعارضة أحزابا ونقابات، ودور مجلس النواب، ودور الصحافة، ودور الحكومة التي من المفترض أن تخبر المواطن ما الذي يجري في بلد “مجاور”! <br/> <br/>ليس ممارسة لفضيلة الصمت، بل هروب من المسؤولية الأخلاقية والسياسية والمهنية، وإراحة للرأس من الأسئلة الصعبة. بداية ما حدث يستحق الإدانة، فلا يحق لأي جهة التصدي لرجل الأمن حتى ولو بدون سلاح. فالدولة حتى لو كانت ظالمة هي التي تحتكر القوة المنظمة وتطبق القانون بالإكراه. والعصيان لها هو حالة ثورية كما في سورية، لا يوجد أحد في الأردن يتبناها. وتجاوز رجال الأمن على القانون لا يبرر التجاوز بالعصيان أو حمل السلاح. <br/> <br/>في رذيلة الصمت يتحكم خوفان، خوف الموالين من الدولة؛ فأي مساءلة أو اتهام لها هو خيانة وتشكيك بالأجهزة الأمنية، وخوف المعارضين أكبر، فهم إن تساءلوا أو اتهموا المواطن كانوا عرضة لتخوين مضاد، أي أصبحوا أداة بيد الدولة لتشويه معان وأهلها. وتضيع الحقيقة وسط روايتين تنقصهما الدقة. رواية تتهم الدولة بأنها تقتل الناس وتهتك حرمة البيوت بلا داع، ورواية تتهم الناس بأنهم مجرمون ملاحقون يعتدون على الدولة بلا داع. <br/> <br/>أحاول هنا، وأنا مجروح الشهادة، أن اقدم صورة موضوعية لما يجري في معان اليوم بدون خوف من أهلي ولا خوف من الدولة. <br/> <br/> ما يجري اليوم هو الثمرة النهائية لفشل الدولة، ففي القصة الأخيرة مطلوب جنائي يقتل شرطيا، ونتيجة للمداهمات الاستفزازية لمن لا ذنب له نتيجة لنقص المعلومات أو عنجهية مسؤول، خلقت حالة تضامن اجتماعي نافرة من الأمن، خصوصا أن جراح الأحداث المتراكمة لم تضمد، وتضخمت لدى كثيرين حالة ثأرية مع الدولة، خصوصا لدى من ظلموا من السلفيين قبل أكثر من عقد. <br/> <br/>بالنتيجة حصل تحالف موضوعي بين الجنائي والسلفي الجهادي أخذ أبعادا دموية. <br/> <br/>ما جرى مدان ومرعب سواء كان قتل رجل أمن أم قتل طفل والتهدئة مضرة كالتصعيد. لا بد من إنهاء المناطق الساخنة في كل البلد، ولا يجوز التمييز في معان دون غيرها، بقوة القانون لا قانون القوة. ولا بد في معان من مراجعة صادقة وعميقة ينصف فيها من ظلم في الأحداث الأولى ويحاسب من ظلمه، ويقتص بالقانون ممن اخطأ سواء كان مواطنا أم مسؤولا. وهذا كله في سياق وطني لا انتقائي جغرافيا أم موضوعا أم شخصا. <br/>ومن يريد تحويل معان ملفا أمنيا لا يريد خيرا لا بالأردن ولا بها. فهي جزء من أزمة عامة والحلول وطنية لا جهوية. <br/> <br/>[email protected] <br/>الغد</p></div></h4>

هل تريد التعليق؟