مقالات

معنى أن تكون لاجئا

من خلال تغطية مخيم الزعتري صحفيا أو إغاثيا، يمكنك استعادة لحظة اللجوء الفلسطيني قبل 65 عاما. يومها بدأ المخيم بمساحات تضم خياما، ثم تطور بعض الخيام إلى وحدات سكنية من خلال البيوت الجاهزة، أو بناء مساكن من الصفيح والخشب. والشوارع التي تشق على عجل تتخللها شبكات تصريف مياه الأمطار المكشوفة. مع الوقت، يتحول المؤقت والعابر إلى دائم ومعاش ومستقر، وتنسى القضية الأساسية، وهي النظام الصهيوني الذي شرد الناس من مساكنهم ومزارعهم ومراعيهم وأعمالهم، إلى اعتبارها قضية غوث. وهو ما يتكرر مع اللاجئ السوري الذي شرده نظام دكتاتوري وحشي.
دخل كثير من السوريين الأردن قبل الثورة حرفيين مهرة. ولم تكن العمالة المصرية أو الآسيوية أو العراقية وحتى الأردنية قادرة على منافستهم. ومع بداية الثورة، كان اللاجئ يدخل بشكل نظامي إلى أن تهدأ الأحوال. ثم اقتصر اللجوء على المعابر غير الرسمية (الشيك). وقبل الزعتري لم يكن للجوء معناه القاسي؛ كان نظام التكفيل يسمح بتقديم الدعم والتشغيل بصورة سلسة. لكن بعده تجسد اللجوء بأقسى صوره.
في كل إنسان سوري مأساة لم يصطحبها اللاجئ الفلسطيني من قبل. خرج الفلسطيني وترك طبخته على النار، معتقدا أنه سيعود إلى بيته قريبا. والسوري خرج وبيته مدمر، وخرج وله أخ معتقل ووالد شهيد وثالث في الجيش الحر ورابع مريض.
مأساة تتكسر على نصال مأساة! المشهد المريع هو مشهد الطفولة التي تنطوي على تفاصيل يستحيل رصدها. طفل لا يسمع ولا يملك بطارية سماعة، وآخر لا يملك سماعة أصلا. مآس من هذه الشاكلة لا تنتهي، وتصبح هي القضية، مع أن القضية هي ذلك القابع في قصره لا يرتوي من الدماء، ويشاهد هذه الكوارث مستمتعا بإحراق بلده.
في المشاهدات السريعة يروي الفتى قصة شقيقه الذي التحق بالجيش الحر. فقد كان عسكريا في الهجانة على الحدود العراقية، ولم يكن يستطيع الانشقاق إلى أن نقل إلى الرقة على حاجز عسكري. وهناك هرب من الحاجز وعاد إلى درعا. كان من الممكن أن يقتل في أثناء انشقاقه، وكان من الممكن أن يقتله الجيش الحر، ففي سورية يحاصرك الموت من كل الجهات.
ستستمر مأساة اللجوء ما بقي بشار الأسد الذي بات يلخص نظاما وحشيا استمر منذ أكثر من أربعة عقود. وقد دفع الشعب السوري كلفة لا تطاق في سبيل حريته. ولو أن المجتمع الدولي تصرف بمسؤولية، لما بلغت المأساة هذا المدى. لكن، وبسبب العامل الإسرائيلي، يتواصل التآمر الدولي أو التواطؤ أو التردد؛ سمه ما شئت فالنتيجة واحدة! والمهم ألا يصل السلاح النوعي للثوار فيستخدم ضد إسرائيل!
في خطاب أوباما الأخير لغة جديدة، تشي بأن التردد الأميركي توقف، وأن “الفيتو” قد يرفع عن السلاح النوعي. ساعتها يمكن القول إن مأساة اللاجئ السوري ستنتهي. ويظل الفارق بين السوري والفلسطيني أن الأول سيعود في غضون أشهر إن استمر تآكل النظام بمعدله الحالي، لكنه لن يجد بيتا؛ فيما الفلسطيني لن يعود في غضون سنوات، لكن المحتل حافظ على بيته وعلى مزرعته.
القضية السورية لم يتكشف منها غير رأس جبل الجليد. وسيُذهل المؤرخون عندما يدرسونها، وسيجدون صعوبة بالغة في تفسير تواطؤ العالم مع نظام بهذه الوحشية والهشاشة؛ فهو ليس الاحتلال الإسرائيلي بكل تفوقه العسكري والعلمي والاقتصادي والسياسي. هو نظام يشغل 46 طائرة ميغ ومروحيات مهترئة ودبابات خارج الخدمة لقتل شعبه وتشريده، ثم ينشغل العالم بالإشادة بمحاسن البيوت الجاهزة قياسا على الخيام، ناسيا أن بين هؤلاء اللاجئين من كان يسكن قصورا لم يسكنها بان كي مون من قبل.

هل تريد التعليق؟