مقالات

مع بشار الأسد في لحظة الاحتضار

عندما تصل المظاهرات إلى شارع المزة، فإن بشار الأسد يستطيع أن يشاهدها من شرفة قصره، وليس بحاجة إلى قراءة تقارير الأجهزة الأمنية العديدة. ولن يخفف من ضغطه مشاهد قناة دنيا وهي تستضيف الشبيحة الذين يمجدونه، ويشيدون بصموده في وجه المؤامرات الصهيو-أميركية؛ فهو يعرف جيدا أن تردد الغرب الطويل في اتخاذ موقف حاسم منه هو الموقف الإسرائيلي الذي يرى أن وجوده أهون الشرين عليه. فوجود نظام ديمقراطي في سورية سيعيد المليون نازح إلى الجولان، وسيعيد الهضبة سلما أو حربا.
الإسرائيليون يعلمون جيدا أن الجولان أقرب من حمص، ويرصدون الجبهة الخالية التي تحولت إلى الداخل. ولكنهم عدو عاقل، يدرك أن استعداء الشعب السوري ليس مصلحة إسرائيلية. لذا، في لحظات الاحتضار التي يعيشها النظام، خفت النبرة الإسرائيلية المساندة له، وبات الإسرائيليون يفكرون جديا في ما بعد بشار. ولا يريدون تكرار خطئهم مع حسني مبارك الذي تمسكوا به إلى اللحظة الأخيرة.
عندما ثار الشعب السوري، لم يفكر بمن يقف معه، ولم يدرس الخريطة المحلية والإقليمية والدولية، ولم يحسب كم شهيدا وجريحا وأسيرا ومفقودا سيقدم. لم تكن ثمة قيادة؛ تحرك كفعل الربيع العربي، نسائم تعم البلاد، لا قائد لها. وضحى عن طيب خاطر. هو يعرف النظام جيدا، ويعرف إجرامه ودمويته وقسوته، ومع ذلك ثار ويواصل الثورة.
في لحظة الاحتضار، لم يبق مع النظام غير إيران. حتى الحلفاء الطائفيون انفضوا، وكم كانت صدمة النظام عندما أعلنت حكومة نوري المالكي أنها لن تدعوه إلى القمة العربية. فالمالكي قارئ جيد للخريطة الإقليمية والدولية، ويعرف جيدا معنى أن تتظاهر الفلوجة عاصمة المقاومة في العراق ضد بشار، ويعرف أكثر معنى الموقف الأميركي منه. وهو أكثر زعيم في المنطقة يوزن على الأرض القوة الأميركية والإيرانية في المنطقة، ووجوده في السلطة هو حاصل جمعهما.
يقدر الشعب السوري من بداية الثورة الموقف الأردني، ويعرف حدود حركته. فشرور النظام السوري لم يسلم منها الملك الراحل وسفراؤه ورؤساء حكومته. وهو في لحظة احتضار لن يتورع عن أي تصرف جنوني بحق الأردن يمس أمنه واقتصاده. لكن السوريين، سواء في محنة الثمانينيات أم محنة اليوم، يذكرون حسن الضيافة الأردنية. والجرحى السوريون الذين يلقون بأنفسهم من “الشيك” لا يغيب عن ذاكرتهم حسن استقبال الجيش العربي لهم. يقول جريح فقد يده ووصل وقد تعفن جرحه: فوجئت عندما نقلت إلى مسجد الكتيبة، فطول خدمتي في الجيش السوري كنت ممنوعا من الصلاة. نعم، الجيش السوري يمنع الصلاة ويمنع القرآن الكريم، لحسابات طائفية. وبالمناسبة، هذه لا يفعلها الجيش الأميركي الذي يؤمن متطلبات الصلاة لأي دين. وللأسف لا يفعلها جيش الاحتلال الذي يخدم فيه عملاء مسلمون!
إن حسابات الموقف الرسمي يجب أن تتغير في ظل الموقف العربي، فلا يعقل أن تلتقي دول الربيع العربي، تونس ومصر وليبيا، مع دول الخليج العربي على موقف ونشذ عنه. الحسابات السابقة انتهت، ولم يعد مقبولا، لا مبدئيا ولا مصلحيا، الوقوف على مسافة واحدة من الضحية والجلاد. الشعب السوري يحفظ الود، ولكنه لا ينسى الإساءة، خصوصا وهو يُقصف بالسلاح الثقيل.

هل تريد التعليق؟