لا يمكن الدفاع عن مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد مع تلفزيون “أيه. بي. سي” إلا أنها “مفبركة”. فالذي يفبرك يوميا عشرات المقاطع التي توثق صور مجازر ومظاهرات وشبيحة وتعذيب، قادر على أن يفعلها لتشويه صورة الدكتور الشاب الذي قاد بلاده خلال عام إلى ذرى النصر والتحرير والحرية والكرامة والرفاه، وتمكن مؤخرا من هزيمة فلول مرتزقة أميركا وإسرائيل، من كومبرادور وسلفيين وطائفيين وظلاميين.
بلغ الإنكار مرحلة متقدمة عندما أنكر الناطقون باسم الخارجية السورية المقابلة، وطالبوا الناطقين الأميركيين بالدراسة في المعهد الدبلوماسي السوري لفهم المقابلة. فالمشكلة في عيون الناس الذين يشاهدون لا في المتحدث، وهو طبيب عيون يمكنه فحصهم. المقابلة مع بشار بشحمه ولحمه، وخلاصاتها أن الجيش السوري الراتع قتلا وسحقا ليس ضمن مسؤولياته، وأن من يطلب من الجيش فعل ذلك هو “مجنون”!
لا، المقابلة ليست مع بشار، لأن الدستور الذي يرفض تغييره ينص على أنه القائد العام للقوات المسلحة. وهو قبل أن ينتخب بأكثرية ساحقة بدأ حياته ضابطا عسكريا، وتدرج في الرتب بعد الفتوحات العسكرية التي حققها. وهو وأركانه ما انفكوا يؤكدون أن الجيش متماسك تحت قيادته. إنها للأسف مقابلة مبكية مضحكة، تشي بمزيد من المصائب التي ستصب على رؤوس السوريين. فالأمل الوحيد في تقليل كلفة التغيير في سورية هو التنحي، ومن الواضح أن هذا الخيار غير وارد، وسيحتفظ بالكرسي إلى النهاية مهما كلف الثمن. يقابل عناد الطاغية إصرار شعب يثبت كل يوم أنه لن يتراجع. وهو ما يعني مزيدا من التضحيات. يوجد الكثير من المشترك والمتشابه في الثورات العربية، مع خصوصية كل منها. سورية تتجه إلى النموذج الليبي مع الأسف. إلى اليوم، يراهن النظام السوري على أن المجتمع الدولي لن يتدخل عسكريا. وإلى اليوم يراهن على تماسك الجيش. وهو يعتقد أنه قادر على تكرار نموذج العراق الذي ظل محاصرا 13 عاما. يتحمل مسؤولية تلك الدماء التي سالت والتي ستسيل شخص واحد، هو الرئيس بشار الأسد، لأنه واقعيا ودستوريا الحاكم المطلق لسورية. يستطيع اليوم أن يوقف شلال الدم على يد جيشه وأجهزة أمنه وشبيحته، يستطيع اليوم أن يجنب بلاده خطر الاحتراب الأهلي والتدخل الدولي والإقليمي؛ يستطيع ذلك لو تنحى. لكنه لا يفعل ويعيش في عالمه الخاص. لا نعرف بعد المقابلة مع “أيه. بي. سي” هل هو منفصل عن عالمنا أم يخترع عالمه الخاص زاهيا بالنصر على شعبه؟
كعادة الحكام الراحلين، يختارون التلفزيونات الأميركية للمقابلة الأخيرة. وفيها يقدمون رسائل استجداء للإدارة الأميركية. وعادة يتلقون أجوبة سلبية على رسائلهم. ومن الواضح أن الحكام الطغاة لا يفهمون العالم تماما، كما لا يفهمون شعوبهم. فالإدارة الأميركية تعرف ما يجري في سورية، على الأقل من خلال سفيرها، ولا تحتاج إلى وسائط إعلامية، والرأي العام الأميركي يتابع المقابلة من باب إشباع فضوله في زيارة المتاحف. فهو ينظر إلى القذافي وبشار وغيرهما باعتبارهم نوعا من الحكام انقرضوا ولا يُعرفون إلا في كتب التاريخ والروايات وأفلام السينما. ولا شك أن المقابلة حققت لهم ما يصبون إليه من تسلية.
محزن أن نكون فرجة للعالم، وكأننا أفلام رعب أبطالها حاكم “مجنون” على رأي الدكتور بشار في المقابلة “المفبركة”.
هل تريد التعليق؟