مقالات

من لوثر كينج إلى أوباما

يعترف مدير المخابرات الأميركية أمام الكونجرس بممارسة “الإيهام بالغرق” في التحقيق مع ثلاثة من قادة القاعدة، يعترف الجيش الأميركي بقتل مدنيين أثناء مطاردة عناصر القاعدة.. يشكل الخبران رأس جبل جليد من الغوص لاكتشاف قاعدته العريضة التي تكشف عن انتهاكات واسعة النطاق بحق المعتقلين في غوانتنامو والسجون السرية وأبو غريب وغيرها وقتل مئات آلاف من العراقيين (وصل عدد القتلى العراقيين بسبب الحرب الأميركية إلى المليون بحسب إحصاء مستقل).

قد لا يمر يوم دون خبر سيئ عن أميركا، يغري من لا يجد موضوعا للكتابة. ويجعل مهمة العاملين في حقل “الديبلوماسية العامة” و”تحسين صورة أميركا” صعبة إلى درجة الاستحالة. والأخبار تعمل على قاعدة العملة، تطرد الرديئة الجيدة من السوق، وخبر وفاة كفيل بإفساد أي حفلة عرس. غير أن خبر صعود نجم باراك أوباما (بمعزل عن نتيجة الترشيح النهائية) يغري بتجاوز الأخبار الرديئة. فالشاب ذو الجذور الأفريقية والمسلمة وجد من يقدمه على الأميركيين الأقحاح. وهي فرصة يندر أن تتكرر في بلد غير أميركا.

سيقال أن انتخابات الرئاسة الأميركية يتحكم فيها الرأسماليون المتحكمون بالمال والسلطة. حسنا، لماذا لا يتواجد أمثالهم في بلدان أخرى تدمرها النزاعات العنصرية على اللون والعرق والطائفة والمذهب؟ خصوم أميركا وهم كثر عليهم أن يعترفوا بقوة نظامها السياسي الذي تمكن من بناء مجتمع مهاجرين وإدامته.

هل يمكن مقارنة ما يجري ببلد أوباما الأصلي؛ كينيا، من انتخابات دموية، وما يجري في مهجره؟ لم يهزمنا الأميركيون بقوة البي 52 والإف 16 هزمونا أيضا بقوة نظامهم السياسي. وهو لم يولد فجأة، وإنما بني عبر تراكم خبرة بشرية لم يتوقف تطورها إلى اللحظة.

أوباما قوته أنه ضد الحرب في العراق. لنتخيل لو أنه في بلد آخر. سيقف له الجنرال الذي أسر في فيتنام ويقول له “قبل أن تخلق، كنت أقاتل في فيتنام دفاعا عن الوطن، وأمثالك يجلبون عبيدا، ولا يرشحون سادة علينا، ببرنامج قوامه إنكار بطولات جيشنا البطل في العراق! أمثالك لم يشاركوا في إسقاط نظام صدام وتخليص العراق والعالم من الطاغية”. لن يسمح له بالترشيح يصفى وتقيد الجريمة ضد مجهول. أو تزور الانتخابات ضده.

كانت أميركا كذلك، وقد صفي أهم الداعيين للحقوق المدنية من السود، مارتن لوثر كينج، ومالكوم إكس. لكن البشر في أميركا لم يصروا على الخطأ، وتمكنوا من تقنين الحقوق المدنية في التشريعات وحولوا العنصرية إلى جريمة يطاردها القانون.

لم يكن ذلك قبل قرون، تم في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. وفي عهد رونالد ريجان أقر الاحتفال بذكراه. ومن يزور متحف الحقوق المدنية، وهو الفندق الذي اغتيل كينج وهو يخطب من على شرفته، يذهل كيف تطور المجتمع من مجتمع منقسم إلى سادة وعبيد ولا تنتخب فيه المرأة إلى مجتمع حقوق مدنية. مكن أميركا من البقاء قوة عظمى على مدى أكثر من نصف قرن.

من لا تتوافر لديهم قابلية التطور هم الذين لا يرون أخطاءهم ولا يعترفون بها. يبالغ الأميركيون في الاعتراف؛ لديهم متاحف لإبادة الهنود الحمر، ومتاحف للعبيد، ويبرعون في تشخيص أمراضهم وعقدهم في الصحافة والتلفزة والسينما. وبذلك يتمكنون من التخلص منها. “يعترف..” تعبير يكاد ينحصر بالأميركيين. هل حصل أن اعترف مدير جهاز أمن عربي بممارسة التعذيب؟ هل اعترف شعب عربي باضطهاد مجموعة عرقية أو دينية؟ يعترف العرب في حال “التعذيب” فقط.

هل تريد التعليق؟