مع اقتراب عام 2010 تبدأ وكالات الإغاثة الدولية لمواجهة أكبر عملية نزوح في الأردن بفعل “تسونامي” قانون المالكين والمستأجرين. تنفذ الدولة القانون بصرامة وتحمل المستأجرين شيبا ونساء وأطفالا بـ”الكونتنتالات” وتلقي بهم في مخيمات أقيمت على عجل على أطراف المدن. يردد طفل دامع أمام عدسات الفضائيات “وين ألعابي؟” يتدخل الأب الذي يحمل فرشات إسفنج على ظهره “ما بخافوا الله شردوا هالعائلات بلا ذنب”.
يرسم المشهد السابق كثير من المدافعين عن حقوق المستأجرين. ولا شك أن بعض المستأجرين تنطبق عليهم مواصفات الضحايا لو طبق القانون بحرفية ومن دون تحضيرات مسبقة. وهذا ما لا ينطبق على كثير من المستأجرين. ولا يجوز أن يترك شأن قانون يمس حياة كل مواطن لتقديرات مزاجية وعاطفية، وأحيانا شعبوية. فمن مصلحة أي نائب أو عين أو وزير أو حكومة أو صحافي.. أن يرضي الأكثرية. وحتى في أغنى الدول الصناعية يظل المستأجرون أكثر من المالكين.
يحسن في قضية حيوية مثل هذه، وفي ظل استراتيجية “سكن كريم لعيش كريم” أن لا تترك الأمور عائمة. ويشكل فريق بحث يميز الخيط الأبيض من الخيط الأسود. بنزاهة بعيدا عن الحسابات التجارية أو الشعبوية. ولا يوجد هنا ما يمكن إخفاؤه، فالأرقام متاحة لدى دائرة الإحصاءات العامة. كم منزل مملوك وكم منزل مستأجر. تكمن الصعوبة في اكتشاف الدخل الحقيقي للأسر، أما المصالح التجارية من منشآت وعيادات ومكاتب رجال أعمال ومحامين.. وغيرهم، فضريبتا الدخل والمبيعات كفيلتان بالتمييز بين المالك والمستأجر ظالما أم مظلوما.
في إطار الانطباع الشخصي قل أن أعرف عوائل فقيرة مستأجرة، ومن أعرف تجد المالك يسامح تماما بالإيجار في حال الفقر المدقع أو يتساهل في الدفعات أو تجد من يتكفل بالإيجار. وبيوت الفقراء ليست استثمارا أصلا. خارج عمان قل أن تجد مشكلة إيجار فالفقراء عائلات ممتدة يسكن الابن عند والده، وهو قادر أن “يلف” غرفة بأقل التكاليف ولا يقع تحت رحمة مالك.
في المقابل أعرف مالكين، وتحديدا القدامى منهم، يعانون الأمرين مع مستأجريهم الأثرياء. فتجد طبيبا بدخل أسطوري يستأجر عيادة من أيام العصر الجليدي، وتجد مطعما ومخبزا و.. يدفعون إيجار سنة بما يدخلهم في يوم. فأي عدالة هذه؟
يسهل على الفريق المختص أن يحدد حجم الفائدة التي عادت على عموم المواطنين بعد إقرار قانون المالكين والمستأجرين الأخير. فقد نشط حركة العقار وجعل الاستثمار فيها مجديا، وحفز الناس على السعي للتملك. فقبل القانون كانت العامة تقول بحق “المستأجر ملاّك”، وبعده صار الحافز قويا للتملك وهو ما شجع الاستثمار في العقار وزاد عدد المالكين.
يتعرض إلى اليوم قدامى المالكين إلى ظلم كبير من مستأجرين أصحاب ثروات، وهو ظلم قائم، معالجته لا تقل أهمية عن معالجة ظلم قادم على أقلية من المسأجرين. ولا يجوز – بحجة الدفاع عن العائلات الفقيرة المستأجرة- تمرير ظلم المستأجرين الأثرياء.
وقصارى القول أن تطبيق القانون عدل أم بقي كما هو يحتاج جهدا مسبقا، فمعنا عامان إلى 2010 يمكن خلالهما دراسة كل حال على حدة ، بعيدا عن التعميم المجحف. ومما يحفز في جهد كهذا استراتيجية “سكن كريم لعيش كريم” التي يتطلب تنفيذها وجود قاعدة بيانات دقيقة حول المالكين والمستأجرين، ومن هم المستحقون للدعم ومن المتاجرون به.
هل تريد التعليق؟