– لا أنكر وجود تآمر على الأردن. في المقابل لا يمكن القبول بالمبالغات بشأن إعادة صياغة البلد وفق منطق تصفية القضية الفلسطينية. فالصراع العربي الإسرائيلي لا ينتهي حتى لو أعطينا الفلسطينيين ثلاث دول؛ في غزة وفي الضفة وفي الأردن، وتبقى القضية الأساسية هي الاحتلال الجاثم منذ ستين عاما. سأفترض (جدلاً) أن الأردن ليس بلدا، ويخلو من مؤسسات قادرة على الدفاع عن وجوده وأن شعبه يعتبر الوطن شركة تحت التصفية تستجدي من يشتري نصفها، فهل سنحقق حلم أميركا والاتحاد الأوروبي بتصفية بؤر التوتر وإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي؟ <br/> <br/>الإجابة في التاريخ. إمارة شرق الأردن نشأت قبل قيام دولة العدوان، واستقلت المملكة عام 1946، وعندما نشبت حرب 1948 لم يقل الأردنيون ما لنا وللصهاينة، نبني بلدنا بمساعدات الانتداب ونجنبه صراعا خاسرا. خاضوا المعركة جيشا ومتطوعين وخاضوا معركة تحرير القدس، وتمكن الجيش العربي على قلة إمكاناته من تحقيق أفضل إنجاز عسكري. <br/> <br/> قبل وحدة الضفتين وميلاد المملكة الأردنية الهاشمية، وفي العام 1949 حصل اللاجئون الفلسطينيون على جواز السفر الأردني، أي صاروا مواطنين أردنيين قبل أن تضم أرض الضفة الغربية، أي أن المواطنة تمت قبل أن ينشط السفراء ومترجموهم، بعدها تمت وحدة الأرض على ضفتي النهر، ومن عارض الوحدة حرصا على الهوية الفلسطينية عاد وانخرط في مؤسسات الدولة الواحدة وعلى رأسها مجلس النواب. <br/> <br/> لم تكن المناصفة في مقاعد المجلس النيابي ومجلس الوزراء فقط، بل شملت ضباط الكلية العسكرية الذين كانوا مورد الجيش والمؤسسات الأمنية. وأي دارس للبيروقراطية الأردنية مدنيا وعسكريا في تلك الحقبة يجد مساواة تامة ربما تميل لأبناء الضفة الغربية بسبب تفوقهم الاقتصادي والتعليمي. <br/> <br/>ليس سرا أن الصهيونية والاستعمار البريطاني أرادا تغييب الهوية الفلسطينية، وظل الأردن يناور دفاعا عن وجوده مع الحفاظ على الحقوق الفلسطينية ما أمكن. وقد حاول سياسي مثل وصفي التل مبكرا وقبل الاحتلال في العام 1966 إعادة إبراز الهوية الفلسطينية من خلال مشروع المملكة العربية المتحدة (أعيد إحياء المشروع في 1972). <br/> <br/>يقول لنا التاريخ إن الفلسطيني في الأردن لم يتخل عن حقوقه التاريخية ونشأت في ظل الشراكة الكاملة منظمة التحرير الفلسطينية. وكانت دولة الوحدة هي البيئة الحاضنة لحركات التحرر الفلسطينية وطنية وقومية وماركسية. وصل كارلوس إلى عمان ليقاتل في سبيل تحرير فلسطين! <br/> <br/>توجد نظرة استشراقية غبية في التعامل مع القضية الفلسطينية، فالفلسطيني ليس كمجموعات الغجر في أوروبا التي تحب حياة الخيام والفوضى والتشرد والتسكع، لم يختاروا أن يكونوا لاجئين. توجد قوة طاغية انتزعتهم من أرضهم وقتلتهم وشردتهم ودمرت حياتهم وحياة أولادهم وأحفادهم. إنهم مستعبدون في أرضهم. <br/> <br/>الجواب ببساطة لا بديل للحقوق الفلسطينية التاريخية، وقامة فكرية عالمية مثل إدوارد سعيد ظل “خارج المكان” مع أنه كان يحمل جنسية أميركا ويدرس في أرقى جامعاتها. لم يكن والده يريد له أن يكون عربيا ولا فلسطينيا، لكنه اكتشف ذاته وهو الغارق في الحياة الغربية عربيا فلسطينيا. <br/> <br/>صحوة الضمير الغربية لم نلحظها عندما وقعت المجازر في فلسطيني والعراق على مرأى الجيش الأميركي، وهم موجودون في العراق قبل أن يجنّس اللاجئون الفلسطينيون في الأردن، لماذا لم نلحظها عندما دمر مخيم نهر البارد، لماذا لا يضغط الأميركيون على حلفائهم في لبنان لمعاملة المخيمات باعتبارها أماكن تحوي بشرا؟ <br/> <br/>كل ذلك لا يعني عدم الحديث وطنيا عن المشاركة السياسية للأردنيين من أصل فلسطيني. وهذا بحث طويل، نبحثه نحن بعيدا عن إملاء السفارات، تماما كما نبحث ضعف المشاركة الاقتصادية للمحافظات خارج عمان. <br/> <br/> لا يكون الرد على التآمر بالقول إن دور الأردنيين من أصل فلسطيني هو اقتصادي حصرا، أو أن يستشهدوا من دون حق العودة. لا بد من تفعيل مشاركتهم السياسية، وهذا لا يكون بالخطب الحماسية، بل بإصلاح سياسي جذري يطاول قانون الصوت الواحد المجزأ، الذي أضعف المشاركة السياسية بعامة، وحوَل البلاد إلى عشائر وحارات. <br/> <br/>لقد طالب السفير الأميركي علانية عام 1993 بقانون الانتخابات السيئ، مع أنه السبب الأساسي في تهميش المشاركة السياسية للأردنيين بعامة ومن أصول فلسطينية بخاصة. طبعا القصد كان تهميش الإسلاميين، تمهيدا لمعاهدة السلام. وقيل لنا يومها إن المعاهدة هي حماية لنا من المطامع الصهيونية. اليوم يبدو جليا أن المطامع لم تنته، وأن المطلوب هو دولة فلسطينية في الأردن. <br/> <br/>منذ تأسست المملكة كان الحلم الصهيوني أن تكون مقبرة الهوية الفلسطينية، لكن التاريخ أثبت العكس. لذلك ينشط السفراء الغربيون في سبيل إلغاء المخيمات، بوصفها رموزا لحق العودة، فشارع الأردن يشق مخيم الحسين بستة مسارب، وأكثر من 80% من اللاجئين خارج المخيمات، ولو لم يبق أحد في المخيمات فإنها تظل شواهد ناطقة بأن ثمة شعبا شرد. <br/> <br/>لا يوجد واهم يتوقع أن الشاحنات ستنقل اللاجئين قريبا إلى وطنهم، لكن يوجد حق أخلاقي قد يتحقق بعد سنة أو بعد مائة سنة ولا يسقط بالتقادم. لو أن العبيد في أميركا اعترفوا بالأمر الواقع الذي ورثوه عن أجدادهم لما كان أوباما في البيت الأبيض. والحق الأخلاقي في العودة المؤجلة لا يتعارض مع حق المواطنة المتوارثة. <br/> <br/>لا يحتاج المواطن الأردني من أصل فلسطيني إلى شهادة تثبت حسن سلوكه السياسي، بقدر ما يحتاج الأردنيون جميعا إلى إصلاح سياسي جذري يعيد لهم حقوقهم الدستورية مواطنين شركاء، فالأوطان تبنى بالمواطنين لا برجال الأعمال والعمالة الوافدة.الغد <br/> <br/> <br/>ياسر ابو هلالة</p></div></h4> |
هل تريد التعليق؟