مقالات

موانئ أميركا وفوسفات الأردن

يمكن لنا أن نعطي دروسا لأميركا في اقتصاد السوق. فتلك الدولة المتفردة في قيادة العالم بعد أن أطاحت بإمبرطورية الشر الاشتراكية تنكرت لقيم الرأسمالية العتيقة وقيم العولمة الحديثة جدا على السواء. في الأردن ظللنا الأوفياء للعتيق والحديث أصالة ومعاصرة في منهج اقتصادي سلفي لا يخرج عن حرف مما جاء في النصوص من نظريات واتفاقات.

في أميركا التي ما كانت لتصل إلى ما وصلت إليه لولا الرأسمالية يتدخل ممثلو الشعب في مجلسي الشيوخ والنواب ومن الحزبين لتقويض صفقة تعطي شركة إماراتية حقوق إدارة ستة موانئ أميركية مهمة. الشعبويون الطامحون في أصوات الناخبين رفضوا الصفقة لأسباب أمنية. فلن يجعلوا أمنهم البحري تحت رحمة شركة عربية، مع أنها تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية.

في الأردن، يعرف المشرعون حدودهم، وتعرف الحكومة حدودها. فتمر صفقة بيع حصة الحكومة في شركة الفوسفات بسلاسة يحسدنا عليها الفنلنديون. الشفافية مفردة تغيب في صفقة كبرى كهذه. قد تكون صفقة العصر التي تنقذ الاقتصاد المنهك لكن لماذا لا تحتفل الحكومة بإنجازها وتطلع الناس على تفاصيلها؟ هل دائرة التخاصية تتعامل بالبرنامج النووي؟ مسوغات الصفقة التي تسربت تقول إن بيع السهم بسعر أربعة دولارات أي أقل من سعر البورصة بدولارين يعود إلى كلفة حماية حقوق العاملين. قد يكون ذلك لكنّ مسوغا كهذا قابل للنقاش. تماما مثل رفع أسعار المحروقات الذي سن الأردن سُنّةَ بحثه قبل شهور من وقوعه. خصوصا أن شركة الفوسفات بدأت تربح، وليست برسم الانهيار والتصفية حتى يتعجل في بيعها.

المدرسة الأردنية في اقتصاد السوق لا تتوقف هنا. ألمانيا بلد رأسمالي صناعي يعتقد على نطاق واسع أن اقتصاده أكثر أهمية من الاقتصاد الأردني. ومن آيات الغنى والرسملة اقتناء سيارة مرسيدس أو بي أم دبليو، لا بل إن الغناء الشعبي جعل “الدق الألمان” في سياق الغزل بمحاسن الحبيب. هذا البلد يشارك في حكمه حزب الخضر. وهو بلد أخضر لا صحراء فيه. وهو جزء من أحزاب خضراء غدت تتنفذ في أوروبا كلها، لا هم لها غير البيئة. في مدرستنا قدمنا سابقة هيجت، بحق، جمعيات البيئة الأردنية. عندما قدم قانون معدل يسمح بالاستثمار في الأراضي الحرجية. وكأننا نملك غابات الأمازون! قانون كهذا كفيل بجعل الأردن مثل الربع الخالي تماما لا شيء سوى الغبار. مع فارق بسيط أن الربع الخالي لا يخلو من النفط. عودة لدبي التي تعتبر أنموذجا في العولمة، القوم فيها زرعوا البحر وطاولوا السماء. وشوراعهم أكثر اخضرارا من شوراع عمان بعد أن كانت صحراء لا شجر فيها ولا بشر.

حتى لو كنا نسير في الاتجاه الصحيح اقتصاديا فلا معنى لذلك إذا لم يكن المواطن المنهك على قناعة بجدوى المسير. ارتفاع مؤشرات النمو الاقتصادي وزيادة الاستثمارات لا تعني شيئا إذا رافقها ارتفاع أسعار وتآكل المدخول الشهري. ما يحتاجه الناس سواء في سياق التحديث أو التراجع هو “اقتصاد إغاثي”  يلبي متطلباتهم الضرورية. في الغذاء والسكن والتعليم والصحة. وبعدها لا يسأل الناس في الفوسفات ولا غيره. لكن إن مست ضرورات حياتهم فهم يسألون عن الفوسفات وعن موانئ أميركا معا.

هل تريد التعليق؟