إرجاء التصويت على إحالة مشروع قانون النقابات إلى مجلس النواب عكس حقيقة التململ داخل المجلس والتي عبرت عنها الأكثرية النيابية من خلال التوقيع على مذكرة تطلب من الحكومة, عبر رئاسة المجلس, سحب مشروع القانون. ومهما قيل عن ” اتصالات ” و”ضغوطات ” فإن المذكرة حسب العرف البرلماني والتقاليد الديموقراطية أدت دورها .
النواب ليسوا باعة متجولين يوقعون على شيكات لضمان تسديد أثمان بضاعتهم المزجاة, توقيع النائب له قدسية ومكانة مثل توقيع أي رجل دولة. لنتخيل أن وزير الزراعة يسحب توقيعه من مذكرة تفاهم مع شركة ! النائب هو الممثل لصدقية الدولة والمجتمع, وتوقيعه ممثل للدائرة التي انتخبته كما هو ممثل للدولة التي يشكل أحد أعمدتها بوصفه سلطة تشريعية .
لا أريد أن أتحدث عن تجربة عمر كرامي القريبة , فرئيس الوزراء استقال أمام هجمة النواب اللفظية قبل التصويت مع أنه ضامن للأكثرية, وتمكن من إيصال رسالة خارجية وداخلية نفسّت الاحتقان وفتحت آفاقا لحل الأزمة. قبل عمر كرامي عندنا في الأردن استقال رئيس الوزراء طاهرالمصري بناء على مذكرة حجب ثقة ليست لها صفة دستورية وقانونية , مع أنه كان يستطيع المواصلة لوحصل التصويت ولتمكن من الحصول على ثقة جديدة .
مذكرة النواب ليست حجب ثقة بالحكومة ولا حتى بوزير فيها, المذكرة استشعار لمزاج الشارع ومصالحه, ولو كنت مكان الحكومة لوجدت في المذكرة فرصة ذهبية تعيد الهيبة للتقاليد الديموقراطية سواء لدى الحكومة أو لدى مجلس النواب.
ليس في مصلحة الحكومة لا أمام العالم ولا أمام المواطن أن تمرر كل شيء على حاجز مجلس النواب. من مصلحتها في التعامل مع العالم أن تقول أن ثمة موقفا معارضا لدى مجلس النواب ولا أستطيع الضغط عليه, مثلا لو طلب صندوق النقد ضرائب جديدة ألا يمكن المماطلة معه بذريعة المجلس النيابي ؟ لكن في حال تمرير كل شيء سيقال ” اتصلوا بالنواب “. ولا يبقى لدى النائب فرصة للتعبيرعن مواقفه إلا من خلال قطع اتصالاته بالعالم الخارجي أرضية أم خلوية .
للحكومة وجهة نظر سياسية في النقابات يمكن أن تحاور على أساسها, لكن ذلك لا يسر “صفة الاستعجال ” في التعامل مع مؤسسات عمرها نصف قرن. الحكومة تحتاج لوقت على الأقل لقراءة الحوار ” الإعلاني ” المنشور في الصحافة. في ” الغد ” إعلانات نقابية لو قرأها أي مسؤول لتراجع على الأقل عن صفة ” الاستعجال ” خصوصا تلك التي وقعها رؤساء مجالس نقابة المهندسين في المحافظات، الذين لا يدعون فرصة للتشكيك بلا مركزية العمل النقابي .
الأهم من ذلك أن قوانين كثيرة ستطالب الحكومة بإعطائها صفة الاستعجال أسوة بالنقابات . وهو ما لا تطيقه الحكومات , فقانون الكسب غير المشروع أو إشهار الذمة رُحّل من القرن الماضي وتعاقبت عليه حكومات ومجالس نيابية, وفي حال فوز الحكومة بالسبق ستدخل في سباق مسافات طويلة لا نهاية له .
الأزمات لا تحل وفق سياسة التحريض المتبادل بل بالتهدئة المتبادلة.
خصوصا أن التوتر والتصعيد يتعدى دائرة النقابات ليشمل المجتمع كله, وهو ما يشكل معينا لا ينضب للتطرف والإرهاب. سيقول المتطرفون :” ألم نقل لكم ألا جدوى من النقابات والمجلس النيابي والكلام الفارغ ..؟” ما ذا سنجيب ؟ الإجابة ستكون في جلسة مجلس النواب اليوم والتي سيكون موقفهم فيها تاريخيا بأي اتجاه ذهب .
هل تريد التعليق؟