الحفاوة التي استقبل فيها رئيس الوزراء معروف البخيت من الإعلام ليست مفتعلة. وإن كان بعض الصحافيين احترف مديح من يجلسون على مقاعد المسؤولية.
وبدا طبيعيا أن تقرأ مقالة تتكرر فيها كلمة “صديقي الدكتور معروف” أو تشاهد مداخلة تلفزيونية يتحدث فيها الكاتب أو الصحافي بحماس وكأنه عضو في الحكومة. ولا شك أن ذلك خدم الحكومة الجديدة خصوصا أن “الصداقة” من أوساط مختلفة ومتفاوتة.
لكن لا بد من أن نقول كفاية. فالحكومة لقيت استقبالا وحفاوة نادرين، وآن أوان مراقبتها ومحاسبتها على أفعالها وأدائها لا على وعودها وسيرة أعضائها ورئيسها.
ولا بد أن تظل العلاقة بين الصحافة والحكومة قائمة على استقلالية الصحافة ودورها النقدي والرقابي. فليس المطلوب إنشاء ناد لأصدقاء الرئيس بقدر ما هو مطلوب من أصدقائه أن يبتعدوا عنه ويتركوه يمارس عمله ويقوم بمسؤوليته، ويؤدوا هم دورهم الذي حددته مهنتهم لا علاقاتهم الشخصية.
في العراق كان ثمة، جدا لا هزلا، بطاقة عضوية لـ”أصدقاء السيد الرئيس” وكان لأصدقاء صدام حسين حقوق مادية ومعنوية. وهؤلاء الأصدقاء الذين كان من حقوقهم مقابلة الرئيس مرة في العام لا يبدو أنهم قاموا بواجبات الصداقة، ولو قاموا بها لجنبوا صديقهم وبلادهم ويلات عانت منها الأمة بكاملها.
في الغرب ثمة أصدقاء للرئيس، تسبب هذه الصداقة له ولهم إشكالات، وقد كتب رئيس تحرير الغارديان عقب تولي صديقه توني بلير رئاسة الحكومة عن معاناته من طبيعة العلاقة التي تربط بين الصحافي وصديقه المسؤول، وهي – أي العلاقة- ما تجعله ينقاد لصديقه كما تقود الخيوط الدمى، تتحكم بها بشكل غير مرئي.
ليس سهلا الانفكاك من تلك الخيوط، وسيظل أمام الصحافي سطوتان سطوة الصديق وسطوة الصحافي. في المقابل ثمة معادلة صعبة يمكن تحقيقها من خلال الفصل بين الرأي والخبر.
فمن المشروع أن يكتب مقال رأي منحاز إلى قرار حكومي، لكن ليس مقبولا أن يكتب خبر منحاز. أحيانا يُقرأ الموقف الرسمي من خلال الكاتب المقرب للمسؤول.
ليس في الغرب فقط، في تركيا – مثلا- يمكن معرفة أفكار رجب طيب أردوغان من خلال كاتب عمود في صحيفة “يني شفق”. وهذا من الممكن أن يتكرر في أي بلد، ويخفف العبء عن المسؤول في التعبير عن آرائه.
التي يمكن معرفتها في القضايا الحساسة من خلال الكاتب أو الكتاب المقربين منه. لكن لا يجوز بحال من الأحوال تزوير الأخبار لصالح المسؤول.
في الأردن كانت المعاناة الأكبر لا تأتي من أصدقاء الرئيس الحقيقيين، إنما من جحفل يعتقد أنه صديق كل من يعتلي الكرسي، وهو ما كان يعني تزويرا حقيقيا في الأخبار وتلاعبا فيها لصالحه، والأمثلة على ذلك كثيرة. وهذه الحكومة معرضة أكثر من غيرها للتورط مع الأصدقاء المزورين، لسببين أولهما حال الإجماع الوطني التي تحققت عقب الإنفجارات والسبب الثاني وجود شبكة واسعة من العلاقات لرئيس الحكومة وأعضائها، خلافا للحكومة السابقة. فقد جاءت على خلفية انقسام حاد إذ ارتبطت برفع غير مسبوق للأسعار كما أن رئيسها وأكثرية أعضائها لم تكن لهم علاقة تذكر مع الإعلام.
البلد بحاجة إلى صحافة حقيقية والرئيس ليس بحاجة إلى أصدقاء. وخير له أن يخسر أصدقاءه من أن تخسر البلد الصحافة.
هل تريد التعليق؟