حال العداء للولايات المتحدة الأميركية التي تكشف عنها استطلاعات الرأي، ولن يكون آخرها ما كشفه استطلاع مركز بيو، الذي تترأسه وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، تنطبق على أقرب حلفاء الولايات المتحدة، بمن فيهم بريطانيا، لكنها لا تنطبق على إيران.
فالشعب الإيراني الذي استقبل الإمام الخميني بالملايين، وودعه إلى قبره بالملايين، وهتف معه بسقوط الشيطان الأكبر، مل شعارات الثورة وقيمها أيضا. وهذا ما يمكن ملاحظته عندما تقابل أي إيراني خارج إيران، تماما كما كنت تلاحظه (قبل الاحتلال الأميركي للعراق) عندما تقابل عراقيا خارج العراق.
فشل إيران في تحويل المشروع الإسلامي من ثورة إلى دولة يعود إلى أسباب خارجية بالدرجة الأولى. إذ أعلنت الولايات المتحدة حربا مفتوحة على الثورة، وأطلقت عليها النظام الثوري القومي في العراق، فدمر بنيتها التحتية وأنهك الثورة قبل أن تصبح دولة. لكن ذلك لا يعفي الثوريين من مسؤوليتهم، فالناس تدرك حجم التهديد الخارجي، لكنها تعلم أن ثمة تهديدا داخليا لا يقل خطرا، عنوانه “الفساد والاستبداد”. فالثورة قامت لمحاربة هاتين الآفتين بالأساس، والعداء للولايات المتحدة كان بسبب دعمها للشاه الفاسد المستبد. والشعب يتساوى عنده شاه متوج وآية الله معمم، إن جمعهما الفساد والاستبداد.
الذين رفضوا رافسنجاني لم يرفضوا تاريخه الثوري، لكنهم رفضوا واقعه غير الثوري، إذ تحول من مناضل إلى ثري. والثراء في مواقع المسؤولية يعني الفساد ولا شيء غيره. والذين انتخبوا أحمد نجاد لم ينتخبوه لأنه متشدد ومحافظ، بل لأنه نظيف وغير فاسد. نجاد كرر تجربة رجب طيب إردوغان في تركيا، ولو من زاوية التشدد. فنجاد نجح في بلدية طهران كما نجح إردوغان في بلدية اسطنبول، والأهم أنه لم يفسد بفضل المنصب، وهذا سر نجاحهما الاثنين. وكما عاقب الأتراك سياسيا مخضرما مثل اربكان، عاقب الإيرانيون سياسيا مخضرما مثل رافسنجاني.
نجاد جاء في وقت تحتاج فيه الثورة الإسلامية إلى نجدة. فإضافة إلى ضغوط الخارج، أميركية أم أوروبية، تواجه الثورة تحدي الجيل الجديد في إيران، الذي لم تعد ترى أكثريته في الدين غير ستار للاستبداد والفساد. وكان بإمكان زعيم مثقف مثل خاتمي أن ينجد الثورة، لكنه هزم أمام المحافظين. واليوم، وقد بلغت الضغوط على الثورة أوجها، لا يستطيع المحافظون إفشال نجاد. فأميركا تطبق كماشتها من أفغانستان إلى العراق، وحزب الله يدفع استحقاق انتفاضة الاستقلال، وليس في الوقت متسع.
ربما ينجح نجاد المتشدد في ما فشل فيه خاتمي المعتدل، أقله داخليا. لكنه خارجيا سيتجه لمواجهة مفتوحة، من أفغانستان إلى العراق إلى لبنان، فالتعاون مع الأميركيين في تلك المناطق لم يسفر إلا عن مزيد من الضغوط. وعليه، سنسمع في مقبل الأيام عن فتح صفحة جديدة مع حكمتيار في أفغانستان، ودعم لتيار الصدر على حساب المجلس الأعلى، وتوثيق للتحالف مع سورية في سبيل دعم حزب الله، سيما أن انتصار المتشددين في مؤتمر حزب البعث في سورية سبق انتصار نجاد.
أما البرنامج النووي فسيكون رأس حربة المواجهة. وفي الأفق الإقليمي يكون طبيعيا وجود متشدد مثل شارون، وهو ما يصبغ الأفق الدولي أيضا عقب فوز بوش بولاية ثانية… إنها أجواء ثورية، تذكر بالعام 1979، عندما كان نجاد فتى يافعا في الحرس الثوري!
هل تريد التعليق؟