مقالات

نحو قيادة إبداعية للثورة السورية

تفجرت الثورة في سورية عفوا، بدون سابق تخطيط وتنظيم وإن اعتمدت على تراكم من التضحيات. واستفادت من ثورة الاتصالات في إبداع قيادات ميدانية تتواصل بشكل “شبكي” لا هرمي، يحكمها مزاج عام لا قرارات واحدة. ومن حسن حظ الثورة أنها بلا خميني يفرض عليها تصوراته ويطبعها بطابعه، بل هي ثورة الشعب بكل ألوانه.
بعد كل هذه التضحيات، على المعارضة السورية في الداخل والخارج أن تبدع مؤسسة قيادة جديدة تليق بحجم تضحيات الشعب السوري البطل، تكون مؤهلة لقيادة البلاد في مرحلة انتقالية. في سورية اليوم آلاف من القادة الشباب، أطفال درعا الذين فجروا الثورة قادة فضلا عن وقودها اليومي من خيرة شباب سورية. وفي الخارج مثلهم ممن شردوا خارج وطنهم، سواء من شابوا في الخارج أو ولدوا بعيدا عن ديارهم.
على المعارضة في الخارج أن تكون بمستوى تضحيات الشعب السوري. وهي ليست بحاجة إلى قيادة تاريخية ملهمة، تحتاج قيادة عادية مؤقتة تعبر المرحلة الانتقالية بأمان، وبعدها يختار الشعب السوري ككل شعوب العالم من يحكمه أربع سنوات، لا يحكمه إلى الأبد.
ليست مناسبة للتنافس على مكاسب ضيقة، بل لحظة التنافس في التضحية، وفي شباب سورية الذين يتسابقون على الشهادة أسوة حسنة. النصر قريب، وباختيار قيادة إبداعية يكون أقرب.
لا نعدم رموزا محترمة يختار واحد منها. ولا يستثنى هنا غير من كان له سجل فساد أو إجرام مثل عبدالحليم خدام ورفعت الأسد. هنا نحتاج شيبة يوازن مع كفة الشباب الراجحة، مثل هيثم المالح أو برهان غليون أو عصام العطار. وإن غاب الأخير عن وسائل الإعلام فهو تجسيد لقيم التضحية والتسامح في آن؛ كتبت عنه قبل سنوات عندما عفا عن قاتل زوجته بعد انتهاء مدة السجن للحق العام: “عفا عن قاتل زوجته بنان الطنطاوي بعد أن اعتقلته السلطات الألمانية. عفا وهو المبعد من بلاده منذ عقود. كانت فرصة ذهبية للانتقام. فالقاتل، وهو من المخابرات السورية، جاء ليصفي العائلة المقيمة في “آخن” كاملة، فلم يجد إلا الزوجة العزلاء فقتلها بدم بارد. وبنان هي ابنة أديب الشام العلامة علي الطنطاوي الذي توفي ودفن في مكة غريبا عن وطنه الذي أبعد عنه أيضا”. سورية أحوج ما تكون إلى قيادة تتحلى بمثل هذا السمو الروحي وسط هذا الجو الوحشي البدائي. ومن يذهب ليقتل امرأة وأطفالها في ألمانيا ماذا سيفعل بمن تحت يده؟
وشخصية العطار لا تحتاج برهانا على ديمقراطيتها فكرا وممارسة. خطب العطار بعد انقلاب البعث في جامعة دمشق العام 1963، في نبوءة تصف اللحظة الراهنة “إنّني أُعلن لكم، ولشعبنا كله، بغاية الصراحة والوضوح، رفضيَ لهذا الانقلاب، ولأيّ حكم ديكتاتوريّ عسكريّ أو مدنيّ ينشأ عنه، واستمساكي بالحكم الديمقراطي الدستوري. وأقول لأصحاب الانقلاب القائم ومَنْ وراءهم، ولكل مواطن عاقل شريف: إنّ الذين يسلبون شعوبهم حريّتها وإرادتَها وقرارَها يسلبونَها روحَها وحياتَها وكرامَتها وقدرتَها على التحرّر والتقدّم وبناء أيّ مستقبلٍ كريم، ويقتلونَها، ويقتلون حاضرَها ومستقبلها، وإن ادّعَوْا -واهمين أو كاذبين مخادعين- أنهم يُريدون لها الحياة”.
أي واحد من الثلاثة أو غيرهم، سيكون أفضل بما لا يقاس من حكم بشار. المهم أن لا يترك فراغ قيادي تملؤه الفوضى.

هل تريد التعليق؟