مقالات

نعم.. الصراع يمتد لميدان “تقسيم”

يذكّر موقف النظام السوري وشبيحته من قمع المتظاهرين في ميدان “تقسيم” باسطنبول، بموقف معمر القذافي من قمع المتظاهرين في بريطانيا أيام الثورة. ولا يستطيع أي كاتب يحترم حقوق الإنسان إلا أن يقف مع المقموع ضد القامع، أي أن يتفق مع معمر القذافي! وطبعا، في سماء “تقسيم” كانت البراميل المتفجرة تدك المتظاهرين، والصواريخ البالستية تصلهم من بعيد محدثة حفرا عميقة، وكان ذوو الأطفال يتلقون أطفالهم كما حمزة الخطيب وقد بترت أعضاؤهم!
في الواقع، تشهد منطقتنا العربية صراعا عنيفا أججته الثورة السورية. ومع أن الصراع بدأ سياسيا بين نظام دكتاتوري بدائي وثورة سلمية تنشد الحرية، إلا أنه تحول في ظل التدخل الخارجي الإيراني تحديدا إلى صراع ذي طابع طائفي مذهبي. وهنا دخلت تركيا مرغمة في ظل استقطاب حرصت أن يظل بعيدا.
لقد حرصت حكومة حزب العدالة والتنمية، ورغم التحالف التاريخي بين المؤسسة العسكرية التركية وحلف “الناتو” وإسرائيل، على إنجاز تحول استراتيجي باتجاه إيران وسورية، كان سيشكل لو تطور اختراقا استراتيجيا مرعبا لدولة الاحتلال. وفي بدايات الثورة السورية، راهن الأتراك كما القطريون على قدرة بشار الأسد على القطيعة مع الماضي الدموي للنظام، وتحقيق إصلاحات سياسية.
جلس وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، أكثر من خمسين ساعة مع بشار والمسؤولين السوريين. لكن النظام كان يستخدم تلك اللقاءات للتضليل وكسب الوقت، وظل ماضيا في سياسة العائلة التي لا تغادر ذاكرتها مواجهات الثمانينيات وأحداث حماة. وتم للأسف تكرار مجزرة حماة بشكل أكثر بشاعة، وعلى الهواء.
لا تتوقف البشاعات في ظل وجود شبكة الإنترنت. آخر ما وُثق مجزرة لا تخطر على بال الشيطان؛ إذ تُلقى فتاة مغتصبة شبه عارية في مرمى القناص على المتحلق الجنوبي، ويستشهد أربعة شباب وهم يحاولون إنقاذها، وتستشهد معهم! وثّق الشباب أسمى لحظات الضحايا، لكن لم يوثقوا ردة فعل الجلاد الذي لا يستبعد أن يكون قد صور المشهد وسط فرح ونشوة.
لا مجال للمقارنة بين المتحلق الجنوبي وميدان “تقسيم”، ولا مجال للمقارنة بين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد، وهما اللذان وصلا للحكم في فترة متقاربة. ما يجري في سورية انحطاط في السوية البشرية إلى درك لم تعرفه الإنسانية.
مرفوض أن يتحول الصراع إلى صفوي-عثماني؛ فتلك أمة قد خلت. ولا يُقبل الانجرار إلى الخندق الطائفي، فلو كان بشار سنيا وأردوغان علويا لكنا مع أردوغان. ما شهدته تركيا سجال سياسي على هوية البلاد وبرنامجها الاقتصادي، يدخل فيه العامل الخارجي والصراع المذهبي. وأردوغان له أخطاء من حق المعارضة التركية أن تحاسبه عليها، ومن حق إسرائيل أن تشن عليه حملة كما يشن عليها. لكن أن يروج لمجرم بقبح النظام السوري استنادا إلى السجال السياسي في تركيا، فهذه جريمة يجب فضحها.
لا يمكن المقارنة بين من حقق مصالحة تاريخية مع الأتراك لوقف نزيف الدم، رغم المعارضة القومية له، وبين من ارتكب مجازر لم يعرفها تاريخ البشر. لا يمكن المقارنة بين من تسلم بلاده وهي مدينة لصندوق النقد الدولي بمبلغ 25 مليار دولار، لكنه خلال عقد يسدد الدين ويحول تركيا إلى دولة دائنة، وبين من ترك بلاده خرائب. لا يمكن مقارنة بين من رفض أن تكون بلاده، وهي عضو في “الناتو”، ممرا لضرب العراق، بمن شارك في حرب تدمير العراق العام 1990.
لا يمكن المقارنة بين سياسي تختلف وتتفق معه مثل أردوغان، بمجرم حرب مثل بشار لا يمكن أن تلتقي معه إلا في محكمة الجنايات الدولية.

هل تريد التعليق؟