مقالات

نعم.. فلسطين في قلب الربيع العربي

أعاد الربيع العربي القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد السياسي العربي. وللتذكير، كان العلم الفلسطيني هو القاسم المشترك بين ساحات التغيير في العالم العربي. في تونس، استعادت الذاكرة أغاني الثورة الفلسطينية، وكان شعار “الشعب يريد تحرير فلسطين” مرادفا لشعار “الشعب يريد تغيير النظام”. وفي مصر، اقتُحمت السفارة الإسرائيلية للمرة الأولى منذ توقيع معاهدة كامب ديفيد. بنفس القدر، أطاحت الثورة المضادة بهذه الصدارة لقضية فلسطين. ففي مصر، بلغ الأمر بالإعلام “الفلولي” حد كيل شتائم للرئيس محمد مرسي بأنه “فلسطيني”. وأشد من ذلك وأغرب التهمة التي وجهت إليه بـ”التخابر مع حماس”. وفي السياق ذاته، يسرب الأمن من الزنزانة تسجيلا لمرسي يهاجم إسرائيل! في أجواء كهذه، عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، مؤتمره عن “المشروع الوطني الفلسطيني”. طبعا، لم يتوصل المجتمعون لخطة التحرير؛ فهذه تحتاج لأكثر من مؤتمر أكاديمي. إنما أهمية المؤتمر تتمثل في أنه شكل من أشكال التصدي للثورة المضادة، من خلال وضع قضية فلسطين على أجندة البحث العلمي. فتلك الأجندة في ظل الانهيار العربي، غدت نهبا لمؤسسات التمويل الأجنبي، وهي مؤسسات تقوم على فلسفة نهاية الصراع مع الصهاينة، وأن القضية البحثية هي مكافحة الإرهاب (النضال الفلسطيني وبأثر رجعي في صلبه)، واقتصادات البحر المتوسط، وحوكمة الشركات، والشراكة الاقتصادية مع إسرائيل. في الدوحة، تم نفض الغبار عن مفكرين على مستوى عالمي خدموا القضية الفلسطينية من مواقعهم البحثية؛ لعل أبرزهم المفكر اليساري الهندي إعجاز أحمد الذي كان نجم جلسة الافتتاح بعمقه وحرارته استعاد لحظة النكبة، ليس بوصفها “حدثا تاريخيا حصل العام 48، وإنما هي صيرورة تاريخية بدأت في ذلك العام، وما تزال مستمرة يتعرض لها الشعب الفلسطيني إلى اليوم”. مثل إعجاز أحمد يستوعب تلك الصيرورة التي يعيشها هو من زاوية أخرى. فهو ليس بسبب الاحتلال، وإنما بسبب الانشقاق، لجأت عائلته من الهند إلى باكستان. وعندما شب وقرر أن يعود إلى موطنه، كانت السلطات الهندية قد صممت قانون جنسية يمنع استعادة المسلمين لجنسيتهم الهندية، فهاجر إلى الولايات المتحدة. وعاد إلى وطنه بوصفه أميركيا. وهي نكبة مستمرة في ذاته إلى اليوم، تماما كما تستمر في ملايين الفلسطينيين اللاجئين في وطنهم وخارجه. في المؤتمر، التقت أجيال من الباحثين والناشطين الشباب، مع من سبقهم من جيل الشيوخ. كان مفيدا أن يلتقي ناشطون شباب ممن تصدوا لجدار الفصل العنصري، مع خبراء قانون دولي يمدونهم بأدوات قانونية تفيدهم في الصراع. وهذا لا يقلل من أهمية المقاومة المسلحة التي حضر عنها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس؛ كما لا يستثني المفاوضات المزمنة بحضور صائب عريقات. لا شك في أن حضور رئيس المجلس التأسيسي في تونس، مصطفى بن جعفر، أعطى رسالة واضحة بأن دول الربيع العربي ما تزال قابضة على جمر القضية الفلسطينية. لكن ذلك لا يقلل من أهمية الخسائر التي منيت بها “القضية” بعد الثورة المضادة. فمصر تقدم نفسها بوصفها راعية محاربة الإرهاب، وتحديدا في غزة وسيناء؛ والنظام السوري يتوسل البقاء بتقديم نفسه (مع حزب الله) بوصفه راعيا لمحاربة الإرهاب، من دون أي ذكر لمليون نازح من الجولان، كما أن حزب الله يكتفي باتهام إسرائيل باغتيال قادته ويرد في القصير والقلمون. على المدى القريب، خسرت القضية الفلسطينية. لكنها على المدى البعيد، تكسب. فالحرية والتحرير وجهان لعملة واحدة، تماما كما الاستبداد والاحتلال هما صيرورة واحدة. لذا، فإن نضال الشعوب العربية تقع في قلبه قضية فلسطين. وعمليا، فإن المواطن في ظل الاستبداد، هو لاجئ في وطنه.//

هل تريد التعليق؟