مقالات

نعم لرفع أسعار الكهرباء!

 لم يخف رئيس الوزراء عبدالله النسور رغبته في إعادة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات أثناء لقائه مع مراسلي الفضائيات والصحافة الأجنبية. كما لم يخف نيته في رفع أسعار الكهرباء التي بلغ عجزها نحو مليار ونصف المليار دولار العام الماضي. وهو في الأرقام الاقتصادية يتحدث بشفافية مطلقة وأرقام صادمة. ومع أن الرئيس كان يخلط الجد بالهزل في حديثه عن التجديد، وهو مبني على قرار الملك، فهو شفاف لأن أي سياسي يطمح بالبقاء في موقعه ولا يدعي الزهد.
أي عاقل يقال له إن العجز المتوقع في العام المقبل بسبب الكهرباء، وهذا في أحسن الأحوال مع تدفق الغاز المصري، يصل أيضا إلى نحو مليار ونصف مليار دولار، فإنه يقرر بغض النظر عن العواقب رفع الأسعار، لأن ميزانية الدولة مثل جسم الإنسان إن انهار في لحظة تحدث الوفاة ولا يمكن العلاج. ومهما كان العلاج قاسيا ومؤلما يظل أقل خطورة من استفحال المرض.
ومما يتفق فيه مع الرئيس خفض النفقات الجارية للمرة الأولى في الأردن قياسا على السنة السابقة وزيادة النفقات الرأسمالية، وتعديل قانون إشهار الذمة، فالقانون باعتراف الرئيس عقيم، فلا يمكن لأحد أن يشتكي في ظل وجود عقوبة إن لم تثبت صحة الاتهامات. ولذا لم يحصل منذ تطبيق القانون أن اشتكى أحد وفتحت ذمة من أشهروا ذممهم.
ووصولا للشفافية فإن ما تحقق من وفر بسبب رفع أسعار المحروقات نصف مليار. وهذا إنجاز يسجل للشعب الأردني الذي تحمل كل هذا الإرهاق والتقتير. لكن لو فكرنا جيدا في الرقم فهو يعادل الرقم الذي بيع فيه ميناء العقبة. أي أننا كنا نستطيع الاحتفاظ بمينائنا الوحيد بسهولة ولا نضطر لبيعه بمبلغ وفّره قرار اقتصادي. ولو خير الشعب وقتها بين بيع الميناء الوحيد وبين احتمال رفع أسعار المحروقات لاختار الأقل سوءا.
هذه عينة من شفافية الرئيس المالية، لكن في السياسة ووظيفته الأساسية أنه سياسي، اكتنف الغموض مواقفه، ويكتفي بالمواقف السردية والإجابة العامة. والمفارقة أنه اتفق مع التشخيص الذي خلصت إليه أن القضية الأساسية هي غياب الثقة بمؤسسات الدولة، من السلطة التنفيذية إلى التشريعية.
   إن من يقرر الموازنة في العالم هو مجلس النواب، حتى في نظام رئاسي مثل أميركا فالكونجرس هو من يقر الموازنة، ولذا فإن قرارات رفع الأسعار تصدر عن ممثلي الشعب المنتخبين بنزاهة، وتنفذها الحكومة الحاصلة على ثقتهم بنزاهة. اليوم  الثقة تنعدم بقدرة الحكومة على حماية ورقة امتحان التوجيهي وحماية ورقة الاقتراع، واستطلاعات الرأي تظهر انهيارا في الثقة بالمؤسسات. لا يحتمل الناس تراجع أداء شركة الكهرباء، ولن يحتملوا انقطاع الكهرباء ساعة ولو دفعوا أسعارا مضاعفة. ومن المرعب أن نتراجع إلى مستوى لبنان وسورية والعراق في استخدام المولدات المنزلية. في المقابل فإن من يرفع أسعار الكهرباء يجب أن يثق فيه الناس، والناس لا تثق لا بالحكومة ولا بمجلس النواب المقبل.
قال الرئيس إنه يسعى لاستعادة الثقة. وتلك خطوة تجعلنا الانتخابات، سواء من حيث نسب المشاركة المتوقعة أو جرائم الرشوة الانتخابية أو نوعية المرشحين، ابعد ما نكون عنها. ورفع الأسعار سيعمق فجوة الثقة، بمعزل عمن سيكون الرئيس.

هل تريد التعليق؟