فوز مرشح التيار الإسلامي، وائل السقا، بمنصب نقيب المهندسين ليس جديدا؛ فمنذ أكثر من عقدين تتكرر النتائج في الأردن وغيره من البلدان العربية التي تسمح بهامش معقول من الديمقراطية يمكّن من إجراء انتخابات نزيهة في محلات متعددة. لكن الجديد كان في انهيار الجبهة المنافسة للتيار الإسلامي، واقتصار المنافسة على مرشح مستقل لم يحصل سوى على خمسة في المائة من الأصوات، مقابل 95 في المائة ذهبت للسقا.
الانتخابات تذكر بحكاية التنمية السياسية التي رويناها وبدلا من أن تبدأ التنمية المذكورة بالنقابات، باعتبارها بيوت خبرة مهنية، وفضاء سياسيا مفتوحا، أعلنت الحرب عليها بذريعة سياسية حينا، ومهنية حينا آخر، مع أن النقابات أثبتت نجاحا سياسيا ومهنيا افتقده خصومها. فهي وإن كان خطابها السياسي معارضا، إلا أنه ظل خطابا وطنيا جامعا، يجسد الوحدة الوطنية التي هي الركن الركين الذي لا تقوم الدولة والمجتمع إلا به، في وقت تشيع فيه ثقافة التشظي والانقسام.
وخلافا للسياسة الانكفائية التي يروج لها، ظلت النقابات وفيّة لقضايا الأمة في العراق وفلسطين. وهذا الانشغال بالهموم العامة لا يلهي المهندسين عن تفاصيل مهنتهم، بل يطور أداءهم باتجاه أكثر إنسانية؛ فالجهود العلمية التي قامت بها نقابة المهندسين عجزت عنها جامعات، والأداء المالي لها حظي بشهادات دولية.
الجانب العلمي والمالي هو النجاح الحقيقي للنقابات؛ إذ إن الشعارات والمواقف السياسية سهلة، وبإمكان أي شخص أن يطرحها، فطلبة المدارس الابتدائية يتضامنون مع جرحى الانتفاضة وليس فقط نقابة المهندسين! والزائر لمجمع النقابات يلاحظ الشعارات السياسية التقليدية، لكن ما يفوقها هو الإعلانات التي تخص الندوات، والدورات العلمية، وبرامج التدريب. وفوق ذلك تأتي شبكة المصالح التي بنتها نقابة المهندسين مع أعضائها، بمعزل عن مواقفهم السياسية أو الانتخابية.
حجم صندوق التقاعد في نقابة المهندسين تضاعف خلال ثلاث سنوات من اثنين وثمانين مليونا إلى مائتي مليون، ونجاح مالي كهذا حققه متطوعون نزيهون، وهو نجاح عجزت عنه بنوك وشركات تجارية تنفق الملايين على العقول الإدارية والاستثمارية المتفرغة لها. وبدلا من أن تعرف الحكومات المتعاقبة كيف تعمم النجاح القائم على المبادرة والإبداع والاستقامة، انشغلت بمعارك سياسية فارغة، مع أن وضع أكثر الاستثمار الحكومي يعاني فشلا مزمنا يدفع من جيب المواطن مباشرة.
البنك الدولي اعترف بالنجاح الذي حققته نقابة المهندسين ماليا، في المقابل ما يزال هناك من يحاول تحطيم تجربة النقابات لأسباب سياسية بالدرجة الأولى. وكل تلك المحاولات كان مصيرها الفشل لسبب بسيط، هو قناعة المهندسين بالنجاح الذي تحقق؛ فمن يستطيع إقراض المهندسين 33 مليون دينار غير نقابتهم؟
بدلا من حكاية التنمية السياسية، لننشغل بتعميم قصة النجاح في النقابات، ولتجر الانتخابات في الجامعات والبلديات بدلا من التعيين الذي لم نر غير الفشل من ورائه، سياسيا وماليا.
هل تريد التعليق؟