مقالات

نقطة تحول في الموقف الرسمي من سورية

مهما حاول الناطق باسم الحكومة التخفيف مما شهدته الحدود السورية فإنه لا يغير من الحقيقة شيئا. فـ”الاشتباك” اشتباك بالأسلحة وليس مشاجرة، وهو ليس بين أولاد حارة وإنما بين جيشين على الحدود. والنتيجة مروعة، إنها قتل الطفل بلال اللبابيدي وجرح العسكري الذي حاول إنقاذه بلال الريموني. ولأن الدنيا ليلا وأماكن الانتشار والاختباء واسعة فإن الخسائر أقل في ظل إطلاق النار الكثيف.
    بين البلالين تكمن الحقيقة. الأردن ليس دولة عظمى ولا تدخلية، لكنها دولة مثل أي دولة تحترم القوانين الدولية، وقبل ذلك تتكون من شعب وجيش يتحليان بقيم العروبة والإسلام التي تلزم بحماية وإجارة الأطفال والنساء وعموم “الداخلين” علينا هربا من الجور والموت، فحتى في الحرب “وإن أحد من المشركين استجارك فأجره”.
مقابل ذلك، ثمة نظام مجاور ليس بدولة وإنما عصابة، ولا يقيم وزنا لقوانين دولية ولا يتحلى بقيم ولا بخلق. ليس منذ عام ونصف، بل من قبل وهو يؤسس شرعيته على القتل والترويع والإرهاب. وليس غير ذلك يثبت أنه نظام أقلية منبوذ معزول. بلال اللبابيدي الذي هرب من الموت في حمص ولقيه في تل شهاب واحد من مئات الأطفال الذين لم يكن أولهم حمزة الخطيب. والحمد لله أن العسكري الذي حاول إنقاذه نجا، وما هي إلا ملمترات بين الإصابة في مقتل وبين النجاة.
منذ انطلاق الثورة السورية كانت الأكثرية الساحقة في الأردن معها. لا يؤكد ذلك استطلاعات الرأي فقط، وإنما الممارسة على أرض الواقع، فالمئة وخمسون ألفا من اللاجئين بعد الثورة استوعبوا في بيوت الناس لا في مخيمات اللجوء. والاعتصامات أمام السفارة السورية احتجاجا بالآلاف، وتأييدا بالعشرات. في جنازة الطفل خرجت الرمثا تبكي، مقابل العشرات الذين قدموا العزاء للسفير السوري بمقتل قادة أجهزة النظام الذين زرعوا الموت في سورية. وقضوا وفي ذمتهم مفقودون أردنيون لا يعرف مصيرهم.
بعيدا عن الجدل العقيم، هذا النظام يخدم الصهيونية اليوم، فجرائمه أظهرت نتنياهو أمام العالم وكأنه حمامة سلام، ومدفعيته التي تدك نازحي الجولان والقرى الحدودية هي برد وسلام على من يحتل الجولان. وهذا لا يلغي تاريخه في دعم المقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية. لكنه اليوم عبء على سورية بقدر ما هو عبء على فلسطين. ليس مطلوبا من الدولة أن ترتقي إلى غضب الشارع، ولكن المطلوب، وهو ما يبدو أننا انتقلنا إليه، أن تكون إلى جانب الشعب السوري. وثمة هامش واسع للحركة. فالمسألة تعدت الجانب الإنساني، والأردن بأفق عربي وإسلامي ودولي، من خلال علاقاته بالخليج وتركيا وأميركا قادر على مساندة الشعب السوري. ومن خلال هذه المساندة فقط يستطيع أن يمنع التداعيات السلبية، والمساهمة في بناء سورية الغد.
بتصور النظام السوري فإن الأردن متآمر، وقد صدرت كثير من التسريبات والتصريحات. والموقف المرتبك والسلبي والمتردد خلال عام ونصف لم نكسب فيه الثورة وخسرنا النظام. إن المسألة أخلاقية بالمقام الأول، وهو ما عبر عنه العسكري الأردني الذي غامر بحياته وخاض لجة النار لإنقاذ طفل، ومع  ذلك هي مصلحية. فالعلاقة مع النظام الجديد في سورية ستكون لها عوائد اقتصادية وسياسية تخدم البلدين. فالنهضة الاقتصادية في أوروبا تحققت في إعادة الإعمار بعد الحرب، وكذا في كل العالم. ومن مصلحتنا أن نكون شركاء في إعادة بناء سورية. وبناء المدن السورية المدمرة أهم من بناء المخيمات.

هل تريد التعليق؟