مقالات

هدية للسيسي أم هدية للإخوان؟

بحسب تحقيقات الكونغرس، عقب تفجيرات “11 سبتمبر”، العقل المدبر للتفجيرات، خالد الشيخ، وصل إلى أفغانستان عام 1999، وهو أخ مسلم، ولا دليل أوضح من ذلك على الربط بين “الإخوان المسلمين” والإرهاب. لم تغيّر تلك المعلومة النظرة الأميركية للجماعة، في ظل معلومات أخرى صحيحةٍ تُناقضها، فالحرب على تنظيم القاعدة وحركة طالبان قادها تحالف الشمال “الإخواني”، والرئيس الأفغاني في حينه، برهان الدين رباني، هو رئيس الجمعية الإسلامية، الفرع الأفغاني لجماعة الإخوان المسلمين. وكان قائدها العسكري أحمد شاه مسعود الذي اغتالته “القاعدة” قبيل “11 سبتمبر” من أقرب المقرّبين إلى الشيخ عبد الله عزام “أول الأفغان العرب”.
بعد أفغانستان، جاءت حرب العراق التي تكرّر فيها الالتباس الإخواني، فقد انخرط كثيرون من شباب “الإخوان” في فصائل المقاومة العراقية (مثل كتائب ثورة العشرين وجامع وجيش الراشدين..)، ومنهم من انضم إلى “القاعدة” وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لاحقا. وعلى النقيض، كان المراقب العام للإخوان المسلمين، محسن عبد الحميد، رئيسا لمجلس الحكم الذي شكله الأميركان.
يعبّر هذا الالتباس عن تناقضات تيار واسع ممتد زمانا ومكانا، وليس تنظيما محدّد العضوية خاضعا لقيادة مركزية. تماما كما نتحدّث عن الاشتراكية التي تشمل أحزابا حاكمة في أوروبا، تماما كما تشمل تنظيمات إرهابية. وفي وشاية عبد الفتاح السيسي في أذن الرئيس الأميركي، ترامب، لم يجر نقاش جاد عن علاقة الإخوان المسلمين بالإرهاب، واعتبارهم منظمة إرهابية. ما جرى أن ترامب، على عادته، يقرّر ثم يفكر، وبعدها تتورّط المؤسسات في لحس قرارته، وقد رصدت الصحافة الأميركية، ومعها المعلقون، كثيرا من قرارته المتسرعة الشبيهة.
من المهم أن يتلقى “الإخوان”، ومن يؤمنون بحقهم في الوجود، وإن اختلفوا معهم جذريا أو فرعيا، قرار ترامب، اعتبار الجماعة تنظيما إرهابيا، هدية تجعل من الديموقراطية في العالم العربي والإسلامي قضية أميركية. ومنذ إرهاصات القرار، بدا واضحا أن المزاج العام في أميركا معارض للقرار، ومتعاطف بدرجة كبيرة مع “الإخوان” ومتفهّم لهم، ولا يُعزل ذلك عن قضية جمال خاشقجي التي تحوّلت قضية أميركية داخلية، ففي الاتصال بين ولي عهد السعودية، محمد بن سلمان، ومستشار ترامب وصهره، كوشنر، اتهم صاحب المنشار خاشقجي بأنه أخ مسلم، وهو اتهام صحيحٌ إلى درجةٍ ما، فقد سبق له أن انتمى للجماعة، وظل في المجمل مدافعا شرسا عنها، وكان واحدٌ من آخر مقالاته مرافعةً، كأنها اليوم، ضد اعتبار الجماعة إرهابية.
لدى الديموقراطيين العرب والمسلمين تيار واسع عريض بين جمهورهم وفي الغرب، ويتماسك هذا التيار ويتحرّك، عندما يُستفز بحماقات كهذه. عندما نتحدّث عن تيار إخواني، فإننا نتحدث عن تيار الاعتدال الذي يشارك في العملية السياسية، حاكما وشريكا في المغرب (رئيس الوزراء) وليبيا (رئيس مجلس الدولة) وتونس (رئاسة الوزراء مرات، والحزب الأساسي في البلاد) فلسطين (فازت في الانتخابات التشريعية وشكلت الحكومة، وتحكم غزة) وبدرجات حضور وشراكة متفاوتة في الأردن والكويت والبحرين والجزائر والعراق، وفي العالم الإسلامي، تركيا (رئيس الجمهورية والحزب الحاكم)، وفي إندونيسيا وماليزيا وباكستان والهند وأفغانستان.. للتيار حضور وتمثيل رسمي، وفي أميركا والغرب عموما تحظى التيارات الإخوانية بالشرعية والحضور.
هي فرصة أتاحتها علاقة ترامب المميزة بالمستبدين، السيسي ومحمد بن زايد ومحمد بن سلمان، لبناء تحالف ديموقراطي عريض مع الرأي العام الغربي، على قاعدة محاربة الاستبداد والإسلاموفوبيا والإرهاب، خصوصا أن هزيمة القرار في أميركا واردة، حسب ديفيد كيركباتريك في “نيويورك تايمز”.
هل يمكن للرئيس ترامب أن يعلن ببساطة أن جماعة الإخوان المسلمين إرهابية؟ لا. على الإدارة أن تبيّن أن الجماعة تقوم بنشاط إرهابي يهدّد الولايات المتحدة أو مصالحها. بعد أن تعد وكالات مكافحة الإرهاب أدلة مكتوبة، على وزير الخارجية التشاور مع المدّعي العام ووزير الخزانة. سيكون أمام الكونغرس سبعة أيام لمنعه، ثم أمام جماعة الإخوان المسلمين ثلاثون يومًا لاستئناف محكمة اتحادية في واشنطن. ولكن حتى الخبراء الذين يعتبرون الجماعة شرّيرة يقولون إنهم لم يروا أدلة كافية لإقناع المحكمة بأنها جماعة إرهابية. وقال جوناثان شانزر، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات التي تنتقد “الإخوان” في أحيان كثيرة، إن السعوديين والإماراتيين والمصريين “لا يفهمون مزايا النظام الأميركي وخارجه..”.

هل تريد التعليق؟