مقالات

هذه جذور المشكلة يا رايس

مثير للسخرية ما تحدثت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس عن حل “جذور المشكلة” بموازاة بناء “الشرق الأوسط الجديد”، ذلك أن تصريحاتها جاءت في وقت لا يسمح بهذا التعالي الفج بإلقاء التعاليم لا التعليمات. بيريز عندما خرج بنظرية الشرق الأوسط الجديد كانت المنطقة توشك أن تدخل عصر السلام. الأردن وفلسطين ومصر وقعوا وسورية ولبنان على وشك. أما اليوم فلا شيء سوى الخراب والدمار والتهجير. إلا إذا كان جديدها الموعود كجديدها الموجود في عراق اليوم.

على كونداليزا رايس أن تعلم أن جذور المشكلة في تل أبيب وليست في بيروت أو دمشق أو طهران. ولا جدوى لإقناع شعوب العالم العربي والإسلامي بغير ذلك. لا بد من تذكير كوندي بخطاب مهم لأسامة بن لادن. تحدث فيه عن أول مرة خطرت له فكرة تدمير أبراج نيويورك. اعتراف مباشر منه طواعية. من دون إكراه. المرة الأولى عندما شاهد تدمير أبراج بيروت عام 82 بالسلاح الأميركي بواسطة الإسرائيليين. فتساءل الفتى إذاك: لماذا يدمرون أبراجنا ولا ندمر أبراجهم؟ الجواب جاء بعد عقدين في “غزوتي نيويورك وواشنطن”.

لم يكن بن لادن يومها لاجئا في عين الحلوة ولا البقعة ولا اليرموك ولا بلاطة (أسماء مخيمات فلسطينية في لبنان والأردن وسورية وفلسطين)، ولم يكن عاطلا عن العمل يستند إلى حائط في شوارع الجزائر. كان سليل عائلة تخصصت في البناء لا الهدم. ولم يكن يحتاج لبذل أدنى جهد للتمتع بالثروة الطائلة التي ورثها عن والده. انشغل عن تدمير أبراج أميركا يومها لسبب بسيط، انشغاله بالمعركة الكبرى مع السوفييت في أفغانستان. وبعد أن خرجوا لاحقهم في الصومال ودار السلام وعدن وصولا إلى واشنطن ونيويورك.

كم أسامة بن لادن يولد من مشاهد الدمار! كوندي مقتنعة أن الوحيد القادر على تدمير حزب الله هو أولمرت. هو يخوض حربا بالنيابة عن الأمة مثل الحرب التي يخوضها حزب الله نيابة عن الأمة. في الوقت الذي فكر فيه بن لادن بتدمير الأبراج كان ناشطو الحركة الإسلامية الشيعية التي تبلورت فيما بعد في حزب الله، قد تأهبوا فعلا لتدمير مقرات المارينز والسفارة الأميركية في بيروت وهو ما نجحوا فيه عقب نجاح شارون في تدمير بيروت وإخراج منظمة التحرير من لبنان.

هل تذكرين يا كوندي، بحثا عن جذور المشكلة، تاريخ 16 سبتمبر الفلسطيني؟ إنه اليوم الذي ارتكبت فيه الميليشيات المارونية بالتواطؤ مع شارون مجزرة صبرا وشاتيلا. قتل فيها العدد نفسه الذي قتل منكم يوم 11 سبتمبر لكن هم حشرات مجرد رقم وضحايكم بشر وليسوا مجرد أرقام. اليوم الضحايا هم الإرهابيون، والمجرمون هم أبطال السلام. ألم تُصلِّي لشارون ليفيق من غيبوبته؟ ألم تعتبري سمير جعجع واحدا من أبطال ثورة الأرز؟

جذور المشكلة أبعد من ذلك. عبدالناصر وقف ضدكم وآزرته الشعوب العربية ليس لأنها ضد اقتصاد السوق وضد نظام الساعات المعتمدة في الجامعات. وقفت معه لأنكم مع إسرائيل. الخميني وقف الناس معه متناسين الخلافات القومية والمذهبية مع إيران لأنه وقف ضدكم لأنكم مع إسرائيل. لا أنسى واحدا من ألد أعدائكم في العراق التقيته في سامراء وكان يحدثني عن التغلعل الإيراني ومحاولات شراء العقارات في سامراء وكان له موقف متشدد من الشيعة ومن الاحتلال يوم استدرك “كنا طلابا في المدرسة لكننا أيدنا ثورة الخميني”.

على النقيض وقف الناس مع صدام لأنه وقف ضد إسرائيل وضدكم. وسيقفون اليوم مع لحود ومع بشار الأسد ومع خامنئي وقبل ذلك مع حسن نصرالله وخالد مشعل.

كوندي ثمة فارق جوهري بين حماس وحزب الله والنظامين السوري والإيراني. حماس فازت بانتخابات حرة. حماس خيار أكثرية الشعب الفلسطيني. ولو جرت انتخابات عند فلسطيني الشتات لحصلت على أصوات أكثر. حزب الله يمثل الأكثرية الساحقة للشيعة في لبنان وعليه ما يشبه الإجماع عندهم وله نواب ووزراء. قولوا بصراحة أنكم ضد الديمقراطية إذا خالفت مصالحكم.

في اجتماع العرب في القاهرة لم يحضر وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار. ولم تقبض حكومة حماس الخمسين مليون دولار المودعة لدى الجامعة العربية. حضر اثنان غير منتخبين، نبيل شعث وياسر عبدربه، طبعا عبدربه يمثل حزب فدا وهو لم يتمكن من إيصال نائب للبرلمان الفلسطيني لكنه يحتفظ بعضويته في اللجنة التنفيذية للمنظمة. لأنه حليفكم يحق له أن يفرض على الناخبين بقوة الأمر الواقع.

جذر المشكلة فلسطين. كل أعدائكم من عبدالناصر إلى الزرقاوي قالوا أن عيونهم إلى فلسطين. ضعوا أصابعكم في عيون أعدائكم وقولوا عيوننا نحن على فلسطين. نريد أن نعامل الفلسطينيين باعتبارهم بشرا لهم الحق في الحياة لا حشرات قيد الإبادة. الشعوب العربية والمسلمة لا تريد تدخلكم لصالحها على الأقل كفوا شركم. ليخرسنا بولتن مرة واحدة ولا يشهر في وجهنا سلاح الفيتو.

يا كوندي، هل شاهدت الأطفال الإسرائيليين وهم يكتبون على القذائف رسائلهم؟ هل شاهدت التنشئة الحضارية للمجتمع الإسرائيلي؟ هل شاهدت أطفال اللبنانيين تحت الأنقاض حديثا؟ هل شاهدت صور أطفال صبرا وشاتيلا؟ اسمحي لي أن أنتقل إلى العراق. أنتم وحلفاؤكم دمرتم الفلوجة مرتين واستخدمتم الفسفور الأبيض الذي يعتبره كثيرون سلاح تدمير شامل. والفلوجة اليوم لا يدخلها إلى من يحمل البطاقات الممغنطة. بعد كل ذلك كانت فيها أكبر عملية قتل فيها مجموعة واحدة من الأميركيين. من أين خرج المقاتلون؟

بقصد أو بغير قصد نجحتم في تعميق الانقسام السني الشيعي. حسن نصرالله في مقابلته مع الجزيرة استشهد بحديث الزرقاوي عن حزب الله بوصفه حرس حدود؟ اليوم يرفع السنة أعلام حزب الله. لن يتشيع السنة ولن يتسنن الشيعة ولكنهم سيتوحدون ضدكم. المناطق الشيعية في العراق ستغدو مقلقة لكم. جيش المهدي سيخفف حملاته على السنة وسيركز عليكم أكثر. الشيعة في الخليج الذين راهنتم عليهم سينقلبون ضدكم. هل تذكرين أن يوسف العييري، مسؤول القاعدة في السعودية، اعتقل مع شيعة سعوديين بعد تفجيرات الخبر. يومها أسف العييري لأنه خرج بريئا وكان التفجير من نصيب حزب الله السعودي. ماذا يفعل اليوم حزب الله السعودي ومطلوبوه على قائمتكم؟

كوندي عذرا أنت لا تعرفين شيئا عن جذور المشكلة، أو أنك كما يقول المثل العربي “تعرفين وتحرفين”.

هل تريد التعليق؟