أراد أولمرت أن يثبت للعالم أنه الوحيد القادر على التعامل مع الفلسطينيين. ولا يحق لأحد – بما في ذلك أميركا والدول المساندة لمسار التسوية– التدخل في شأن إسرائيلي داخلي. أعتقد أنه نجح، فتح استسلمت بشكل كامل، حماس استسلمت لكن ليس كما يجب لا بد من سحقها أو استسلامها بشكل كامل. الحرب الفلسطينية الأهلية كفيلة بتدمير ما قد تفشل فيه آلة الحرب الإسرائيلية.
رفض أولمرت الفرصة التاريخية التي لاحت بالأفق، حماس في السلطة، لم يعد لها هم غير تأمين الرواتب. الهدنة تكاد تتحول إلى سلام شامل. الأجنحة العسكرية تتحول إلى قوى أمن متنافسة. اعتقد أن الفلسطينيين أقل وأذل من أن يعطوا فرصة كهذه. خُنقت حماس، الحبل الذي ربط بعنقها التف أيضا على عنق الشعب الفلسطيني بأكمله. التصفيات استمرت بلا هوادة حتى بحق الفتحاويين.
الرد كان مدويا؛ عملية الوهم المتبدد أثبتت أن الضحية لم تمت، وإن بدت كذلك. عملية غير مسبوقة تاريخيا. حزب الله وهو جيش تدعمه ثلاث دول لم يتمكن من إنجاز عملية بهذا المستوى. الفلسطينيون قادرون على الرد وبطريقة أخرست العالم. لم تستطع إسرائيل أن تقول انها ارهاب استهدف عزلا، ولا جيشا مهادنا. عملية استهدفت جنديا في جيش احتلال. من يجرؤ على الإدانة؟
حماس عادت إلى موقعها الطبيعي: حركة مقاومة لا حزبا حاكما. لن يضطر سامي أبو زهري ومحمود الزهار إلى تهريب الأموال. القوة التنفيذية المساندة وقوى الأمن الفلسطينية عادت أيضا إلى موقعها الطبيعي حركات مقاومة لاحتلال قائم. الإسرائيليون لم يعد لديهم مزيد شر تعففوا عنه. وهم لن يوفروا أحدا من القادة الفلسطينيين. خالد مشعل لن يكون لديهم أكرم من أبو عمار. وهنية ليس أفضل من مروان البرغوثي.
النظام الرسمي العربي ليس لديه جديد. وهو يواصل متابعته للموقف منذ حصار بيروت قبل ربع قرن. مع فارق بسيط أن أحدا لن يضطر لاستضافة القيادة الفلسطينية سياسية كانت أم عسكرية. والفلسطينيون يدركون ذلك جيدا. ما الداعي لقمة عربية تطالب حكومة حماس بالموافقة على مبادرة السلام العربية ويشارك بها عبر البث التلفزيوني محمود عباس بعد تعذر خروجه من غزة؟
الشارع العربي والإسلامي يتراكم لديه بركان الغضب الذي يوشك أن ينفجر في الاتجاهات كافة. ونصيبه في المعركة هو التسمر أمام شاشات التلفزيون، وتقديم الدعوات إلى الله عز وجل في علاه بالنصر والتمكين. وهو إذ يدعو يخشى التقاط الدعوات وهي صاعدة إلى السماء ومحاسبته على مشاعره اللاسامية. الشارع العربي يترحم على يوم كان يتبرع فيه على شاشة التلفزيون بالذهب وحصالات الأطفال للشعب الفلسطيني. اليوم لم يعد ممكنا تحويل المخصصات الرسمية عبر القنوات الشرعية.
كم يبدو قاسيا منظر النسوة والأطفال يبحثون عن ملاذ في غزة! وكم يبدو العالم منحطا وهو يبيح هذا الإرهاب مقابل جندي محتل مأسور. لماذا يفقد الشاب العربي عقله ويتحول إلى الجنون والتطرف؟ أسئلة تجيب عليها “أمطار الصيف” في غزة. كثيرون في العالم العربي والإسلامي يعتقدون أن الهائمين في ظلام غزة إخوانهم وأخواتهم وهم غير قادرين على الانتقام لهم. ويرون أن العالم يبيح لدولة استباحة شعب بكل صنوف الإرهاب مقابل جندي أسير ولا يبيح له رد العدو الصائل، فتغيب الحدود من أذهانهم ويغدو كل شيء مباحا.
أولمرت هزم في غزة قبل “أمطار الصيف” عندما أخذت المقاومة زمام المبادرة، وسيهزم من بعد. وغزة غدت نموذجا لكل مدينة تريد أن تتحرر في فلسطين وغيرها.
هل تريد التعليق؟