بعد عامين من ثورة الشعب السوري الملحمية، فإن أكثر ما يقلق هو إنكار التضحيات، في ظل طول أمد الثورة، وقوة ماكنة التضليل الإعلامي للنظام السوري وحلفائه. ولا شك في أن ألق أي ثورة يخفت بعد مدة، وتبدأ عيوبها وأخطاؤها بالظهور. ولم تكن الثورة السورية محظوظة كثورتي تونس ومصر اللتين أنجزتا نصرهما وهما متألقتان في عيون الشعبين التونسي والمصري، تماما كما في عيون العالم.
لم يكن متوقعا في البداية أن تصمد الثورة في ظل فائض الدموية والإجرام. وبعد أن صمدت في عامها الأول، لم يكن متوقعا أن يصمد النظام في العام الثاني. لكن تكافأت القوتان في ظل الدعم الإيراني والروسي غير المحدود للنظام، مقابل تخاذل حلفاء الثورة. بالنتيجة، بدأ في العام الثالث تحسن المعادلة العسكرية لصالح الثوار، بفضل شجاعتهم وصمودهم، وبسبب تخفيف الحظر على تسلحهم.
مقابل المعركة الضارية على الأرض، ثمة معركة أشد ضراوة على الرواية؛ هل ما يجري ثورة شعب حر ضد نظام دكتاتوري، أي امتداد لموجة الربيع العربي، أم هي عصابات إرهابية تعيث فسادا بدعم إسرائيلي-أميركي؟ إن إنكار معاناة الضحايا من المعاناة نفسها.
في الاستطلاع الذي أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، تبين أن الرأي العام العربي بخير، وأنه تمكن من هزيمة التضليل، على الرغم من استخدام أبشع أشكال الكذب، واللعب على القضية الفلسطينية والغرائز الطائفية.
إذ أظهرت النّتائج أنّ هناك شبه توافق بين أغلبيّة مواطني المنطقة العربيّة، وبنسبة 77 % من المستجيبين، على أنّه “من الأفضل لسورية اليوم أن يتنحى الأسد عن السلطة”، مقابل معارضة 13 % لهذه العبارة. في حين بين 8 % من المستجيبين أنهم لا يمتلكون رأيا محددا، ورفض 2 % الإجابة عن السؤال.
وعند تحليل اتجاهات الرأي العام في البلدان المستطلَعَة آراؤها نحو تأييد عبارة “من الأفضل أن يتنحى الأسد عن السلطة” أو معارضتها، تشير النتائج إلى أن أكثرية المستجيبين في كل بلد تؤيِّد تنحّي الأسد عن السلطة، باستثناء الرأي العام اللبناني الذي انقسم إلى: 44 % أيدوا تنحي الأسد، مقابل 46 % عارضوا تنحيه.
ومفتاح فهم هذا الانقسام في الرأي العام اللبناني هو تحليل النتائج بحسب طوائف المستجيبين ومذاهبهم. إذ ثمة شبه إجماع لدى المستجيبين الشيعة على معارضة تنحي الأسد، بنسبة 89 %، مقابل 6 % يؤيِدون تنحّيه. وعلى النقيض من ذلك، فإن تأييد تنحي الأسد تركز بين المستجيبين السنة والدروز؛ إذ أيد 77 % من المستجيبين السّنة التنحي، وعارضه 4 %، كما أيد 75 % من المستجيبين الدروز التنحي، وعارضه 10 % منهم. أمّا المستجيبون المسيحيون بطوائفهم المختلفة، فقد انقسموا في موقفهم من المسألة؛ إذ أيد 42 % منهم التنحي، وعارضه 44 % منهم. ومعنى ذلك أن الاستثناء اللبناني فيما يتعلق بالموقف من الأزمة السورية، هو انعكاس للانقسام الطائفي السياسي اللبناني تجاه العديد من القضايا؛ ومنها الأزمة السورية. وقد عبّر هذا الانقسام عن نفسه، في بعض الأحيان، من خلال مواجهات مسلحة بين مؤيِدي النظام السوري وبين مؤيِدي الثورة.
وقد أيد 91 % من المصريّين تنحّي الأسد، فيما كانت نسبة المؤيّدين 90 % في الكويت، و88 % في السّعوديّة، و87 % في اليمن. هذا في حين كانت أقل نسبة تأييد لتنحي الأسد موجودة بين المستجيبين العراقيين، على الرغم من أن أكثرية الرأي العام العراقي، وبنسبة 51 % من المستجيبين، تؤيّد التنحّي، فيما عارض ذلك 26 % منهم. وهذا مؤشر إيجابي على تعافي العراق نسبيا من اللوثة الطائفية، والذي يعد مؤشرا له أهميته المستقبلية بعد انتصار الثورة السورية الذي لا يبدو بعيدا.
هل تريد التعليق؟