تلقى المتشددون في جماعة الإخوان المسلمين وخارجها جائزة غير متوقعة؛ فنتائج انتخابات مجلس الشورى لم تنتج جوا إقصائيا متشنجا، بل أفرزت جوا توافقيا فاجأ أكثر المتفائلين، ليأتي قرار تجميد زكي سعد بني ارشيد ومحمد أبو فارس معززا لرغبات المتشددين. وهم خارج الجماعة وداخلها يلتقون على هدف واحد عزل الاعتدال، وهو ما يجعل ضرب الجماعة سهلا ومشروعا.
يمكن، لغايات التحليل، رصد أربعة تيارات في الجماعة، حتى لا تظل حدود الاعتدال والتشدد مفتوحة. مع التذكير بأن التسمية –كأي تسمية– قد تكون اعتباطية صنعها الانطباع العام والإعلام، ولا تعكس حقيقة كل تيار. فالتيار الذي قاد الجماعة من الفترة 1986 إلى 1996 وتحول بعدها إلى المعارضة داخل الجماعة سمي بـ”الصقور” مع انه كان الأكثر مرونة في التعامل مع الدولة في حقبة الأحكام العرفية، وشارك في انتخابات 1986 بعدد محدود طمأنة للدولة وفي غياب الضمانات.
التيار الثاني الذي سمي بـ”الحمائم” والذي قاد الجماعة منذ عام 1990 إلى 1994 لا يملك تماسك الصقور تنظيميا وفكريا. وقد تحولت أكثريته إلى ما سمي بتيار “الوسط” الذي قاد قرار المقاطعة لانتخابات 1997 وغير المراقب العام، وجزء منه غادر الجماعة راضيا بما قدم له من مناصب رسمية. أما التيار الرابع أو المقرب من حماس فقد ظهرت قوته في انتخابات 2002، وهو اليوم التيار الذي يحظى بأكثرية مجلس الشورى.
جمع قرار المحكمة بين محمد أبو فارس وزكي سعد بني رشيد في قارب واحد. مع أن تيار الوسط الذي يقود الجماعة حاليا لم يتقصد أحدا بعينه وقدم أربعة للمحاكمة وهم المراقب العام السابق عبدالمجيد ذنيبات وعلي العتوم وزكي سعد وأبو فارس. لم تبرئ المحكمة الذنيبات، ولكنه أخذت بدفعه بعدم اختصاصها، وقررت هيئة محكمة ثانية تبرئة العتوم.
عبرت المحاكمات عن مؤسسية الإخوان تماما كما كشفت قصر نظرهم السياسي. في الأحزاب العربية يفصل المسؤول الأوحد من شاء متى شاء، هنا تقاضي لا حصانة لأحد أمامه. في المقابل كشف كم هو قصير نظر من أحال للمحكمة في أجواء تتطلب التصافي والتوافق. كم هو عبثي المشهد! لم تتح للجماعة من عامين فرصة لالتقاط الأنفاس. واليوم تنشغل بخلافات هامشية.
حتى من نالهم قرار التجميد يصرون أن “الجو السائد هو جو التوافق” مع تحذيرهم من أن يكون “رصاصة تقضي على التوافق”. من شاهد الأجواء قبل المحكمة يدرك كم غدا التوافق صعبا، وإن لم يكن مستحيلا. فردة فعل من مسّهم القرار متوترة وربما -من حيث لا يدرون- ولّدت عندهم مشاعر انتقامية يعبر عنها في تصفية الطرف الآخر تنظيميا.
يقلل المتفائلون من منسوب التشاؤم بالإحالة إلى اجتماع مجلس الشورى. فهو سيد نفسه وهو الذي يقرر مصير الأحكام والمحاكمات، ويرون أن أكثرية مجلس الشورى هم من تيار الرشد والاعتدال ولا علاقة لهم بتصنيفات أطلقها الإعلام أو خصوم الجماعة. خصوصا أن النظام الداخلي الجديد يحقق فصلا كاملا بين السلطات.
في الأثناء يتحرك المتشددون للحشد والتعبئة في داخل الجماعة تفريقا للصف وسعيا لمغانم المناصب التي حرموا منها، وهم يجدون سندا من المتشددين خارج الجماعة الذين لا يرون فيها إلا “خطرا استراتيجيا” يعامل وفق منطق “العزل والتهميش والتمزيق”. وإقصاء القيادة الحالية المعتدلة يعزز –بلا ريب- هذا المنطق.
في كتاب “ذكرياتي مع جماعة المسلمين” يكشف أحد قيادات الجماعة التي عرفت بـ”التكفير والهجرة” أن الأمن المصري كان يعبث في صفوف أكثر الجماعات تشددا وأن من دفعوا باتجاه اختطاف وزير الأوقاف الشيخ الذهبي لم يكونوا إلا عملاء للأمن المصري. وهو ما سبقه إليه أبو إياد في كتاب “فلسطيني بلا هوية” عندما خلص إلى أن المتطرفين إما عملاء وإما أغبياء.
إن كانت الجماعة ترى نفسها مستهدفة من قوى إقليمية ودولية عليها أن تدرك أن شقوق التشدد هي التي ينفذ منها الخصوم إلى القلعة التي كانت حصينة.
هل تريد التعليق؟