في دول العالم الحديث قل أن تجد حيا أو ناحية ولا يوجد فيه ركن للأطفال. طبعا لا يوجد تذاكر أو رسوم هي جزء من الحدائق والمرافق العامة. سبق أن كتب عن متنزه اللويبدة الذي يعتبر أعرق وأقدم الحدائق العامة في عمان إلا أن الحال لم يتغير. فالحديقة خالية تماما من مرافق الأطفال والخدمات وأُجِّرت مرافقها إلى مطعم خاص وبار. وحددت أوقات افتتاح وإغلاق لا تتناسب مع وقت الصيف (تغلق في الثامنة مساء، أي مع الغروب) مع أن الأصل في الحديقة أن تظل مرفقا مفتوحا.
المطعم والبار مكان لا يتناسب مع الأطفال حتى في الدول الغربية. فتلك الدول تشترط سن الثامنة عشرة لبيع الخمور فكيف تباع الخمور في مرفق ترفيهي للعامة تعلِّم أطفالها أن الخمر محرم؟ صحيح قد يذهب الطفل مع أهله على فندق ويشاهد الخمور، لكن ذلك خيار، بخلاف الحديقة العامة التي يجب أن تراعي خصوصية المجتمع.
في الأصل كانت المرافق التي تحولت إلى “استثمار” متحفا للبريد. وفي بلادنا لا تعرف كيف يدمر مرفق ثقافي بقرار إداري. يقولون أننا نعيش في ثورة الاتصالات ودخلت الشبكة العنكبوتية إلى كل مدرسة، ألا يمكن أن نعلم أطفالنا كيف كان البريد في بلادنا ينقل على الخيل ونريهم ابراج الحمام الزاجل التي ما تزال قائمة على القلاع، وصولا إلى خط الهاتف الأرضي والتلغراف والتلكس، وصولا إلى الجيل الرابع من الهاتف الجوال؟ شركات الاتصالات التي تنفق الملايين على الدعاية مستعدة لتمويل متحف كهذا.
في الجوار مرفقان رسميان للفنون, ماذا لو أنشئ مركز لتعليم الناشئة على فنون الرسم؟ القطاع الخاص يستثمر وأفراد يعطون دروسا خصوصية في الرسم أليس هذا استثمارا أفضل من مطعم؟ مع أن الأمانة التي تجني ضرائب ورسوما طائلة لا يجوز أن تفكر بطريقة استثمارية دائما.
لا تختلف حكاية حديقة اللويبدة عن حكايات حدائق أخرى، أين مركز هيا الثقافي؟ تحول إلى مصنع للنكوتين وكأننا نقول للأطفال “دخن عليها تنجلي”. ضاقت عمان بمحلات النراجيل ولم يبق غير مرفق ترفيهي للأطفال.
في نيويورك يهدمون الأبنية لتوسيع حديقتها الشاسعة، ونحن نقضم حدائقنا الصغيرة سعيا وراء فتات الإيجارات. ومن دون مراعاة لمصالح الناس ولا حقوقهم فهذه الحدائق استملكت أو تبرع بها أفراد على أساس أنها حدائق لا استثمارات صغيرة.
لا تريد الناس مقاتلة ناطور الأمانة بل تريد عنبا. ليس مهما الآن كيف آلت الحدائق إلى وضعها الراهن المهم كيف يمكن استعادتها وإعادتها إلى أصحابها إي دافعي الضرائب، وفوق ذلك كيف يمكن زيادة المساحة الخضراء. فلا يعقل أن يقضي الناس ليالي الصيف على جنبات الطرق السريعة. لا نقول لهم انحبسوا في بيوتكم على الدولة والمجتمع إيجاد البدائل.
بما أن متنزه اللويبدة هو الأعرق والأجمل يمكن أن نبدأ به. خصوصا أن الجهد الذي بذل في تطويره لا يستهان به من حيث التصميم والزراعة بالنباتات ذات الاستهلاك القليل من المياه. ذلك غير كاف. يمكن في ظل الأزمة المالية للأمانة إيجاد متبرعين لألعاب أطفال وأجرة حارس حتى لا تغلق الحديقة أبوابها قبل الغروب. فقبل أن نتحدث عن مآسي الجرائم المرتكبة بحق الأطفال، وهي تعبر عن الشذوذ لا القاعدة، علينا أن نسأل أنفسنا السؤال البسيط: ماذا قدمنا للأطفال الأسوياء في العائلات السوية؟
هل تريد التعليق؟