مقالات

هل يهدئ قصي السهيل المتظاهرين في العراق؟

من المرجّح أن يكون وزير التعليم العالي في العراق، قصي السهيل، رئيس الوزراء التوافقي، بعد استقالة عادل عبد المهدي. والسؤال: هل سينجح في تهدئة المتظاهرين، خصوصا أنه شخصية غير حزبية، وحقق نجاحاً في وزارته، وهو يأتي ببرنامج النقطة الواحدة وهي الانتخابات، سواء بإجرائها مبكرا من حيث التوقيت، وضمان نزاهتها من خلال تشكيل هيئة مستقلة وشفافية العملية التقنية، من حيث الفرز واللوائح والبطاقة؟ هذا ما يستطيع المتظاهرون تحقيقه، وهو الطريقة الوحيدة لبناء العراق الجديد على أسس المواطنة وهدم البنية الطائفية المتحكّمة بالبلاد منـذ العام 2003، وهو ما يعني بالضرورة انحسارًا في نفوذ إيران المعتمد بشكل أساسي عليها. يستطيع الشباب تحويل تجمعاتهم إلى قوائم انتخابية، تقدّم الكفؤ بمعزل عن طائفته. أما استمرار المواجهات بدون تحقيق مطلب واقعي فيعني حربا أهلية، تفرض فيها إيران مزيدا من الهيمنة.
قتل خلال شهرين ما يقدّر بألف متظاهر، وسقط أضعافهم من الجرحى، ومن يريد استمرار المواجهات بأهدافٍ غير واقعية يزهق مزيدا من الأرواح بلا جدوى، ويسعى، بوعي أو بجهل، إلى صناعة بشار أسد في العراق، حاكم لا يعرف الاستقالة، ومستعد لقتل مليون وتشريد ربع الشعب، وتقسيم العراق إلى مناطق نفوذ، وإحياء “داعش”، وتدمير ما تبقى من العراق.
يستطيع العراق النهوض مجدّدا، فقد تمكّن من هزيمة الاحتلال الأميركي و”داعش”، وأخيرًا إيران، وهو بلد يصدر يوميا زهاء أربعة ملايين برميل نفط يوميا قريبا، وهو رقم قابل للزيادة في ظل الاستثمارات النفطية التي وقّعت مع الصين بعشرة مليارات، ومع “إكسن موبيل” وغيرهما. تلك الموارد إن انتصرت ثقافة التظاهرات في صناعة الهوية الوطنية لن توزّع في سياق المحاصصة، بل ستساهم في إعادة العراق بلدا وازنا في العالم.
كل الموارد لا قيمة لها إذا كان 80% منها، بمعزل عن الفساد، ينفق على الرواتب والأجور. تستطيع تلك القوة الشبابية الجامحة، إن امتلكت هذه الموارد، وحوّلتها إلى عمل وإنتاجية، أن تضاعف بها اقتصاد العراق الذي لن يكون معتمدا على النفط بشكل شبه كامل. توقع المؤرخون قبل النفط أن يشهد العراق، لا هولندا، مولد الرأسمالية. لم يساهم النفط اليوم في إشاعة الفساد في الإدارات العليا، وإنما في أوساط الشبيبة التي رضيت بالوظائف الوهمية مقابل الرواتب، بدلا من العمل الجاد والإنتاج.
يرفض الشباب الغاضب الهيمنة الإيرانية، ويرفض الفساد، ويبحث عن فرص للعمل والتعليم. ويمكن أن تتحقق هذه الأهداف إذا انتخب العراقيون على أساس وطني، وقدّموا قيادات نزيهة، ويحتاج تحققها زمنا كافيا، فلا توجد قوات إيرانية تحتل العراق حتى يتحرّر منها، يوجد نفوذ إيراني واسع لأسباب واقعية وتاريخية، فلولا التحالف الأميركي الإيراني لسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على بغداد، وحلفاء إيران من الحشد الشعبي هم من بذلوا أرواحهم في القتال، ولدى هؤلاء ارتباط عقائدي بإيران، وليس مجرد تحالف سياسي، وهم عراقيون في النهاية.
المواجهة المفتوحة مع إيران، كما حصل في سورية، تؤدي إلى انتصارها في ظل تفوقها العسكري. المواجهة السياسية عبر الصناديق هي ما يُخسّرها، والذي يفوز يستطيع التفاهم معها، ويحدّ من نفوذها. ولكن إن كانت إيران تريد عراقا تابعا لها، فدول أخرى في الإقليم تريد عراقا مقسّما مدمرا لا دور له ولا حضور.
المأمول أن تشكل الانتخابات المقبلة فرصة لنهوض العراق وطنا لكل أبنائه وسندا لأمته.

هل تريد التعليق؟