مقالات

هل يوجد في الأردن أحزاب وطنية؟

الحجة السهلة لأعداء الانتخابات باعتبارها الأداة الوحيدة المعروفة عالميا لإيصال ممثلين عن الناس للمجالس التشريعية هي غياب الأحزاب الوطنية، فالأحزاب (أو الحزب) القادرة على إيصال ممثلين هي أحزاب غير وطنية مرتبطة بالخارج فكرا أو تنظيما أو تمويلا. ولكن أعداء الانتخابات لا يقولون لنا إن كان ثمة أحزاب وطنية ترى بالعين المجردة أو إن كان واردا في المدى المنظور نشوؤها.

أصحاب الحجة السهلة يعيدوننا إلى التاريخ القريب للإجابة عن سؤال الأحزاب الوطنية قبل الإجابة عن تهمة “لا وطنية” الأحزاب التي ترى بالعين المجردة. فالمحاولات لإنشاء أحزاب ذات إيديولوجيا محلية لم تتوقف. كانت أولاها تلك التي أطلقها سليمان عرار – رحمه الله- وجمال الشاعر أيام الأحكام العرفية لإنشاء حزب وطني دستوري، وبعد عودة المسار الديمقراطي عام 89 تكثفت المحاولات، فسليمان عرار أسس حزب المستقبل وعبد الهادي المجالي حزب العهد وعبد الرؤوف الروابدة حزب اليقظة وعدنان أبو عودة حزب التقدم وكان القائمون على تلك المحاولات يضطلعون بمواقع نافذة في الدولة، بأشخاصهم ومواقعهم وعلاقاتهم السياسية.

سليمان عرار كان رئيس مجلس النواب وقبلها كان رئيس المجلس الوطني الاستشاري ووزير الداخلية، وكان جزءا من مجموعة سياسية من أبرز وجوهها رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، وعبد الهادي المجالي مدير سابق للأمن العام ومن أبرز قيادات الجيش وشقيقه رئيس الوزراء الأسبق عبدالسلام المجالي الذي جرت في عهده انتخابات 93 و97، وعبدالرؤوف الروابدة وزير مخضرم وصل في النهاية إلى منصب رئيس الحكومة، وأبو عودة كان إبان تأسيس الحزب رئيس الديوان الملكي.

وفي الغضون جرت محاولات لتشكيل تجمعات ساهم فيها رئيسا الحكومة الأسبقان  أحمد عبيدات  وطاهر المصري , لكنها محاولات لم تستمر . وكادت محاولات توحيد الأحزاب الوطنية تنجح بتأسيس الحزب الوطني الدستوري الذي التقى فيه كثير من الألداء. لكنه انتهى إلى حزب يدين بالولاء لعبد الهادي المجالي وخرج منه الروابدة وكثيرون.

الأحزاب الوطنية كانت تتأسس بعد الانتخابات، لكن مع بدء الانتخابات كان رموزها يترشحون فرادى متنصلين من روابطهم الحزبية معتصمين بعشائرهم ومناطقهم. الأغرب من ذلك أن مفهوم الأحزاب الوطنية ينسحب على السائرين في الخط الرسمي المؤيدين له بلا حدود، وما أن يعترض الحزب حتى تنزع منه صفة الوطنية ويصبح جزءا من أحزاب المعارضة المرتبطة بخارج الوطن. وهو ما حدث مع سليمان عرار وحزب المستقبل. فما أن تصدى للتطبيع وشارك في اعتصامات المعارضة ومسيراتها حتى غدا معرضا له نصيب من هراوات مكافحة الشغب.

أكثر من ذلك لو اعترض الحزب على سياسة ما أو رئيس حكومة ما حتى تنزع عنه الصفة الوطنية، وفي انتخابات رئاسة مجلس النواب وتحشيد إحدى الحكومات ضد رئيس المجلس عبد الهادي المجالي مؤشر على المزاجية في توزيع صكوك الوطنية. وسبق أن شهدت الصحافة هجوما حادا من كتاب الخط الرسمي على معارضة الصالونات، وهي معارضة تعني جلسات الغيبة والنميمة في صالات مغلقة قد يسترق منها السمع. فالحزب الوطني لا يقبل منه إلا الولاء المطلق للسياسات الرسمية في السياسة والاقتصاد والبراء من كل أشكال المعارضة اعتصامات ومظاهرات وحتى النجوى في الصالونات المغلقة.

بهذا المعنى يصعب وجود أحزاب وطنية. فكيف يمكن إسباغ الصفة على المعارضة بألوانها الإسلامية والقومية واليسارية؟

بكلمة: أصحاب الحجة السهلة لا يريدون انتخابات ولا أحزابا ولا ما يحزنون. في بريطانيا جورج غلاوي يروح ويغدو على العراق في عهد صدام وبلاده تشن الحرب عليه ولا يزال حتى اليوم متصدرا في أعرق الديمقراطيات في العالم. ولا يستبعد أن يأتي يوم ويشكل فيه غلاوي حكومة صاحبة الجلالة. وفي الأردن تكون الحكومة قد سحبت وقدمت مشروع قانون أحزاب للمرة العشرين لمجلس النواب سعيا لتشكيل أحزاب وطنية!

هل تريد التعليق؟