مقالات

هيئة “شباب كلنا الأردن”: الديمقراطية الداخلية والدور السياسي

في قصر المؤتمرات في البحر الميت لم تكن تشاهد وجوها متغربة، كالتي تشاهدها في بعض عمان، الشباب والشابات يشبهون الأكثرية الساحقة من المجتمع، ولا تبدو عليهم ملامح التطرف في المظهر. وعلى ما يبدو فإن التوزيع الجغرافي على محافظات المملكة بنسب عددية متساوية (نحو ستين لكل محافظة) أعطى الاجتماع – ولو من حيث الشكل– ملامح الناس العاديين. أكثرية الحاضرات كن محجبات، وعلى الطاولة التي تصادف جلوسي عليها، كانت طالبة محجبة تصر على حمل الشوكة باليمين التزاما بأحكام الدين، مع أنها كانت تتحدث عن مشاركتها في رحلات خارجية بعيدة في أنشطة شبابية. الملامح الخارجية التي ترصدها في سويعات قليلة في البحر الميت لا تكفي للحكم على التجربة التي مضى عليها شهور ثمانية. <br/> <br/>في الحوار يمكن استكشاف بعض ما في داخلهم، فبعد تلقي هؤلاء الشباب لدورات في مهارات الاتصال وانخراطهم في جلسات عصف ذهني تتوقع أن يسهم ذلك في تطوير فكرهم السياسي. يحصل هذا مع بعضهم ومنهم من لا يتغير. تسألهم عمن سينتخبون في الانتخابات النيابية المقبلة، يجيبك شاب أنه بانتظار قرار العشيرة، وهو ملتزم به، لكن آخر يرفض الالتزام والدور العشائري ولكنه لا يستطيع المجاهرة بذلك. وثالث من البلقاء قال أنه من الآن يعمل لصالح مرشح من غير طائفته مع أن من خؤولته الأقربين من ترشح، تسأله لماذا؟ يجيبك بأنه كان وزيرا سابقا ويعرف مخاطر التخاصية وسيتمكن من حماية حاجاتنا ومواردنا، ترد عليه أن الوزير من المعروفين بعملهم في برامج التخاصية، يرد عليك بأنه ليس ضد التخاصية بالمطلق لكنه ضد التهور في تطبيقها وعدم مراعاة مخاطرها. حاضرو الاجتماع يعكسون الشباب الأردني، فالمؤثرات عليه متعددة ومتناقضة. وفي الاجتماع كان خليط من منتجات تلك المؤثرات. <br/> <br/>هل الهيئة في الشهور الثمانية كانت واحدة من المؤثرات؟ يصعب الإجابة بنعم. فمع أن عدد أعضائها بلغ سبعة وعشرين ألفا، وهي نسبة نمو لا تجدها في تنظيم شبابي في العالم. إلا أن من تقابلهم من أعضاء الهيئة لا تظهر عليهم مؤشرات هذا النمو المتسارع في العضوية. فهم لا يعرفون عن الهيئة وإدارتها كثيرا، ولا يشاركون في أنشطتها إلا تلك الاحتفالية التي يستدعون إليها. <br/> <br/>شاب من البلقاء قال لي أنه عبأ طلبا وانتسب منذ ثمانية شهور، ولا يعرف من يومها عن الهيئة شيئا إلا دعوته لاجتماع البحر الميت. سألته عن العلاقات داخل المحافظة فقال أن ثمة منسقاً لا نعرف من عيّنه ولا ماذا يفعل. <br/> <br/>يسود عند بعض أعضاء الهيئة انطباع بأنها تفتقر للشفافية والديموقراطية في آليات عملها. فاختيار الأعضاء وتعيين المنسق والتنسيب بالسفرات والامتيازات لا يتم بصورة واضحة للأعضاء. وبحسب ناشط في الهيئة فإن بعضا ممن يدخلونها يتطلعون لتحقيق امتيازات والبحث عن وظائف مرموقة. فوق ذلك لا تشهد الهيئة أي آلية انتخابية في مواقعها. <br/> <br/>هل يمكن بناء مؤسسة شبابية بدون شفافية وانتخابات؟ هذا ما يمكن رصده في الهيئة. فهي تبدو محاولة “تدريبية تعليمية” لا يبدو أنها تحتكم إلى الشباب. مبادرة كهذه من الممكن أن تحقيق خدمات وتوفر متطلبات للشباب. وتلك الممكنات تقوم بها الهيئة، تماما كما تقوم بها وزارة الشباب ووزارة التربية والتعليم والجامعات. من الخطأ أن تدخل في منافسة معهم، فالعمل على بناء ستة مقرات للهيئة تبذير لا داعي له. ثمة مئات المراكز تصلح لأنشطتها؛ المدارس والجامعات والأندية والبلديات. المهم العنصر البشري لا البناء. <br/> <br/>ما لا يبدو واضحا من عمل الهيئة هو دورها السياسي. ليس المطلوب أن تكرر الهيئة تجارب الدول الشمولية في التنظيمات الشبابية، فتلك تجارب نتجت في ظروف تاريخية مختلفة تماما عن الأردن. فشبيبة الحزب الشيوعي أو طلائع البعث لا يمكن تقليدها في دولة لم يكن لها في تاريخها تنظم سياسي. <br/> <br/>لا يمكن اختصار “كلنا الأردن” بسبعة وعشرين ألفا تقدموا بطلبات انتساب للهيئة، كل الأردن يعني الشباب الذين اعتصموا في وادي موسى غداة انعقاد الهيئة احتجاجا على عدم وجود مدرسين، تماما كما يعني من اعتصموا في مليح احتجاجا على الغلاء، ويعني أيضا حملة “ذبحتونا” التي تتصدى لرفع الرسوم الجامعية. <br/> <br/>”كلنا الأردن” يعني أن يكون كل الشباب مسيّسا، ليس بالمعنى الشمولي، وإنما بمعنى أنه شريك في القرار السياسي. فالشاب أقدر بحكم دافعيته وتعليمه وإنجازه من المتقاعدين والمستشيخين على التحكم بمجلس النواب من الترشيح إلى الانتخاب. وحتى يكون شباب الهيئة كذلك لا بد أن ينتخبوا في هيئتهم قبل الانتخاب في مجتمعهم. وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه. <br/> <br/>[email protected] <br/> <br/></p></div></h4>

هل تريد التعليق؟