وكأنها احتفالات العراقيين في الذكرى الخامسة على “تحرير” بلدهم. لم يعد الاقتتال سنيا شيعيا، ببركة “الصحوات” صار سنيا- سنيا، واليوم تعم البركة ويندلع القتال شيعيا- شيعيا. وينقلب المالكي الذي وصل إلى الرئاسة ببيضة قبان التيار الصدري على حلفائه، ويبطش بهم وسط معاقلهم.
في اليوم الأول للاحتلال، تجلت انقسامات المجتمع العراقي على مستوى الطائفة الواحدة. لم يكن الشيعة استثناء مع أنه بدا أن عباءة السيستاني تضمهم جميعا. لم تبدأ الاشتباكات مع حلول الذكرى الخامسة، من اليوم الأول طفت على السطح الخلافات الشيعية- الشيعية لكنها كُبتت وأُجلت.
اتهم مقتدى الصدر بقتل الزعيم الشيعي عبدالمجيد الخوئي. فمع أنه ابن المرجع الراحل أبو القاسم الخوئي إلا أن ذلك لم يشفع له عندما قضى طعنا في مرقد الإمام علي في النجف. وعندما قابلت مقتدى الصدر بعدها وسألته عن الاتهام وصف الخوئي بأنه جاء على ظهر دبابة الاحتلال! ويومها حاصر أنصار مقتدى الصدر منزل المرجع علي السيستاني لكنه لم يكن فيه.
بعدها ظل الصراع بين التيارات الشيعية مكبوتا. حتى عندما دخل الصدر في مواجهة مع القوات الأميركية وحكومة أياد علاوي لم تظهر الخلافات ولم يجد من يحميه غير مظلة مرجعية السيستاني التي كانت توصف من تياره بـ”الحوزة الصامتة” التي صمتت على قتل الصدرين الأول والثاني (محمد باقر ومحمد صادق).
تجلت قوة المرجعية في توحيد التيارات الشيعية عندما رعت القائمة الائتلافية وقادتها إلى فوز مؤزّر. في السياسة كان التيار الصدري يحاول أن يتميز عن حلفائه المجلس الأعلى وحزب الدعوة والفضلاء بخطاب سياسي مناكف للأميركيين. وعندما التقى بوش مع المالكي في عمان علق التيار نشاطه السياسي. ويومها بدا أن المالكي قد فضل التحالف مع الأميركيين على الصدريين. على الأرض، لم يبطش بالصدريين واختار الضغط عليهم وجمد جيش المهدي نشاطه.
هل يفي المالكي اليوم بوعده لبوش أمس؟ ربما. فالتيار الصدري أكثر التيارات الشيعية ارتباطا بإيران وحزب الله. وفي ظل تزايد احتمالات الحرب على إيران لا بد من تنظيف الساحة العراقية من حلفائها الذين سيكون الجيش الأميركي رهينة بيدهم في حال ضرب إيران.
هل انقلب المجلس الأعلى وحزب الدعوة على إيران؟ يصعب قول نعم. فالمجلس الأعلى الذي يخوض مواجهات مع جيش المهدي على الأرض، أسسته المخابرات الإيرانية ومرجعيته الدينية ظلت إلى ما قبل تغيير اسمه ممثلة بمرشد الثورة على الخامنئي. وفي غضون الحرب العراقية الإيرانية ظل يحارب مع الجيش الإيراني ويشكل فرق “التوابين” الذين ينشقون عن جيش بلادهم ويلتحقون بجيش الثورة الإسلامية.
وما لا يقل أهمية عن التاريخ استمرار العلاقة مع طهران بعد الاحتلال. فعبدالعزيز الحكيم أعلن من طهران أن لها حقا في الديون والتعويض. وعندما أصيب بالسرطان عولج في طهران ولم يعالج في واشنطن. ذلك كله لا يمنع من انقلاب التحالفات في العراق، فصحوات السنة كشفت أن بعض من قاتلوا الجيش الأميركي صاروا يقاتلون معه.
لا يكفي عامل الحرب على إيران لتفسير الصراع. فالمغانم في “فدرالية الجنوب” يسيل لها لعاب الدول والتيارات. فنفط الجنوب الذي يشكل 80 في المائة من النفط العراقي تسيل دونه الدماء. وليس مثل النفط يشعل الخلافات السياسية والفكرية والمذهبية.
بعد خمس سنوات من الاحتلال خف النزف ليس بسبب نجاح العملية السياسية وإنما بسبب نجاح عمليات التطهير الطائفي. حتى نجاح بهذا البؤس لم يكتب له الاستمرار في العراق. فاقتتل أبناء الطوائف في ما بينهم، هذه المرة على أسس غير طائفية. وهو “نجاح” أميركي جديد في سنة خامسة احتلال.
هل تريد التعليق؟