مقالات

وراجع نايف حواتمة أخيرا !

 المقابلة الصحافية تعني نقل ما هو جوهري واكتشاف ما لم يقل حرفيا وما يحاول المتحدث إخفاءه

في بدايات عملي الصحافي كنت أعتقد أن المقابلة الصحافية تعني تفريغ محضر بشكل حرفي. وأن الأمانة تعني نقل كل ما يقال للقارئ. لأكتشف بعد حين أن المقابلة تعني نقل ما هو جوهري واكتشاف ما لم يقل حرفيا. وما يحاول المتحدث إخفاءه هو الخبر وهو الموقف  الذي يستحق النقل. مثل مقابلة التايم الأخيرة مع رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل والتي استمرت لساعات وخرج منها الصحافي باقتباسات لا تتعدى دقائق. وخلص فيها إلى أنه لا بد للإدارة الأميركية من الاستماع إلى حماس وكسر الحظر عليها.

في مطلع التسعينيات وكنت أعمل في صحيفة الرباط التي يصدرها الإخوان المسلمون أجريت والزميل فرج شلهوب مقابلة مع الأمين العام للجبهة الديمقراطية نايف حواتمة، ولا أنسى تفريغ تلك المقابلة التي حرنا كيف ننشرها لطولها المديد، فكان أن ضغطناها  في حرف 9 بونط ولا أظن أن أحدا تمكن من قراءتها في وقته. في وقتها حسبت أن اليساري العريق سيتحدث إلى خصومه الإخوان المسلمين بلغة مراجعة, خصوصا أن الحركة الإسلامية كانت في ذروة صعودها مقابل انهيار اليسار الدراماتيكي. تحدث يومها مطولا  بالطريقة نفسها التي يكتب فيها مراجعاته. أي يراجع كل شيء من نشأة الحركة الصهيونية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي ولا يراجع نايف حواتمة.  

يرد على ذلك بأن حواتمة يكتب بصفته الإنسانية العالمية وليس بصفته قائد فصيل  فلسطيني. وهذا ما يستدعي السؤال عن خيبات اليسار العربي الذي كان قريبا من حواتمة. فهو يباهي بأصدقائه في أميركا الجنوبية الذين عادوا إلى السلطة، ويفاخر بنضالهم وتجاربهم وهذا جميل، لكن الأهم منه أن يحدثنا عن الرفاق والأصدقاء في اليمن الديمقراطي والجزائر وليبيا وسورية والعراق.

 امتدت يد متطرف بسكين على نجيب محفوظ, هذا يستحق الإدانة والرفض، لكن ماذا عن الدول التي بطشت وأعدمت وأبادت وهي ترفع لواء الاشتراكية؟ هل كانت حقيقة تلك الدول تنويرية وديمقراطية وتحترم أبسط حقوق الإنسان؟ هل يحدثنا عن مجازر الرفاق بحق بعضهم بعضا في اليمن؟ هل يحدثنا عما فعله بول بوت من مجازر بشعة باسم الماركسية؟ حتى في أزهى صور الثورية، هل كان جيفارا وكاسترو ورفاقهم ديمقراطيين  مع خصومهم؟ ماذا حل بالكنسية في كوبا أيام الثورة؟ إلى اليوم هل يوجد معارض يستطيع أن يفتح فمه؟

دع عنك السياسة والفكر والتنوير, يتحدث الرفيق حواتمة عن الأزمة الاقتصادية في طبعتها الجديدة. ويشدد النكير على الرأسمالية، ولا يحدثنا عن الفشل الكبير للاقتصاد الاشتراكي، وهو في سورية حيث يقيم يشاهد قصص نجاح يومية!

ولعل أخطر ما في المقابلة موقفه الإقصائي من التيارت الإسلامية. فتلك التيارات وإن تورطت بالعنف والتطرف مثل كل التيارات إلا أنها راجعت وتراجعت عن أخطائها, وفي الأردن وفلسطين لا يمكن مقارنة موقف حماس والإخوان من الآخر في الستينيات والسبعينيات بموقفها منذ التسعينيات. فهي دخلت بتحالفات جدية مع مخالفيها في الفكر بما فيهم الجبهة الديمقراطية وفقا لبرامج سياسية. وفي اليمن خاضت أحزاب اللقاء المشترك الإخوان( حزب الإصلاح ) والاشتراكي والناصريون وغيرهم الانتخابات معا في مواجهة حزب المؤتمر المتطابق فكريا مع الإخوان المسلمين.

ومع أن الرفيق يتحدث عن لاهوت التحرير المسيحي في أميركا الجنوبية مشيدا، إلا أنه يغض الطرف عن لاهوت التحرير الإسلامي الذي حرر المنطقة فعلا من الاستعمار, أين عمر المختار وعبدالقادر الجزائري والإمام المهدي وعزالدين القسام  وحسن البنا.

هل تريد التعليق؟