عند تغيير الحكومات أو تعديلها، وهي مناسبة احتفالية اعتادها الأردنيون، يهتم كثير من الناس بمتابعة التفاصيل، وخصوصا تلاوة الإرادة الملكية، وأداء القسم الدستوري، واصطفاف الوزراء المستبشرين المقبلين والمكفهرين المدبرين. وهي لحظة عاطفية بامتياز، تمتزج فيها مشاعر البهجة بوصول قريب أو صديق إلى موقع المسؤولية، بمشاعر الشماتة بالإطاحة بمسؤول نكث وعدا بتعيين أو ترفيع.
وفي غضون المشاعر المتأججة يميز الناس بين الوزارات السيادية ووزارات الخدمات والوزارات المستحدثة، مثل التنمية السياسية وتطوير القطاع العام (ربما من الأجدى أن تكون وزارات بلا حقيبة؛ وزير وسائق وسكرتيرة ضبطا للمال العام).
يلاحظ في أثناء أداء القسم أن الوزارات التي تشخص لها الأنظار هي الوزارات السيادية، ومنصب نائب الرئيس، ولا تحظى وزارات الخدمات بذات الاهتمام. “يعين… وزيرا للنقل والموصلات” هل تلفت الانتباه؟ اللهم إلا اذا كانت له صلة بالمشاهد قرابة أو صداقة، ولو من طرف قصي، مع أنني أعتقد أنه وزير يهم المواطن أكثر من وزير الخارجية!
فالمؤكد أن وزير الخارجية غير قادر – منذ تأسست الوزارة – على تحقيق مآربه في إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي، في المقابل يستطيع وزير النقل والموصلات التخفيف، وبدرجة كبيرة، من ضنك الحياة اليومي للمواطن الأردني.
فقطاع النقل والمواصلات في الأردن يعكس تشوه الاقتصاد الأردني بجدارة في عدم إيجاد توازن بين ما هو عام وما هو خاص، وحدود الخاص وحدود العام، وكأن الدولة مخيرة بين نمط اشتراكي تمتلك فيه الدولة وسائل النقل، وبين فوضى مطلقة لا تعرف ما هو عام وما هو خاص فيها. فلا توجد شفافية توضح كيف يحصل المواطن على خط حافلة ويحرم آخرون، ولا متى يكون دور وزارة النقل والمواصلات، ومتى يكون دور وزارة الداخلية والمحافظين (لا أدري ما علاقة وزارة الداخلية بالموضوع!).
نسبة” التاكسيات” مقارنة بحاجة السكان تعد في عمان من أعلى النسب في العالم، في المقابل لا تجد حافلة مريحة ومحترمة تؤمن نقلا لائقا لعامة الناس. في الدول المتقدمة يندر أن يستخدم المواطن وسيلة نقل خاصة في ذهابه وإيابه لعمله، عكس ما هو عندنا تماما. حتى “السرفيس” الذي كان هوية للنقل في جبال عمان التي يصعب تحرك الحافلات الكبيرة فيها تراجع لصالح “التاكسي”.
قطاع نقل البضائع أسوأ من قطاع نقل الأفراد، فهو بين أفراد يشكون من أقساط شاحناتهم وقلة ما ينقلون، وبين احتكارات كبرى لا تتعدى أصابع اليد تستولي على موارد النقل. وقد تجلى ذلك بوضوح في احتجاجات وإضرابات السائقين العاملين في النقل إلى المناطق المؤهلة. ألا توجد منطقة وسطى؟ بالتأكيد توجد، ومن السهل ادراك ان تشجيع التعاونيات بين السائقين أنفسهم يحسن أداء قطاع النقل والمواصلات، ويعيد توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة. وهذا دور وزارة النقل والموصلات، أي إدارة قطاع حيوي بالقوانين والأنظمة والتعليمات ضمن رؤية إستراتيجية تعمل لصالح البلاد.
تحسين قطاع النقل والمواصلات، ليس حل الصراع العربي-الإسرائيلي، وليس قانون انتخاب يحقق تداولا للسلطة. هو أبسط من ذلك بكثير، ولكن هو هروب من مواجهة المشاكل القابلة للحل إلى إدعاءات كبرى. لنتذكر أن ما عرف بالتحول الديمقراطي في الأردن العام 1989 لم يكن ثمرة نضال الأحزاب الأردنية، ولا استجابة لضغوط خارجية، كان ثمرة لأزمة نقل ومواصلات. ارتفع سعر المحروقات ولم ترتفع أجرة النقل من معان إلى عمان، أضرب السائقون فما استجاب لهم أحد فعمدوا إلى التظاهر وتكسير ما يمت للدولة بصلة، وانحازت لهم العامة، فأتت حتى على سيارت الإسعاف في المستشفى الحكومي!
لا أدري كم وزير نقل واتصالات من يومها تبدل، لكن العقلية لا تزال ذاتها لم تتبدل. وبانتظار وزير نقل جديد يقسم لنا غير حانث بأن يقوم بالواجبات الموكلة إليه بأمانة!
هل تريد التعليق؟