مقالات

وسقط حليف أميركي آخر

لن يغادر الرئيس بوش مكتبه البيضاوي وقد ترك حليفا له على مقعد الحكم. تهاوى نصف حلفائه وهو في الولاية الأولى، اكتملت الثانية وقد غادروا معه. حتى جنرال بقوة برفيز مشرف في بلد يشكل العسكر فيه القوة الضاربة لم يتمكن من الحفاظ على كرسيه.

تسر الاستقالة الباكستانيين والشعوب العربية المسلمة، مع قناعتهم أن البديل لن يكون أفضل. والعرب سيشعرون بالخجل؛ ففي الوقت الذي تتمكن فيه قوى مدنية من الإطاحة برئيس عسكري مخضرم يطيح عسكري موريتاني بحكم مدني منتخب. ولا تتورع الشعوب ذاتها عن الشماتة بحليف للولايات المتحدة الأميركية أذل بلاده.

نشرت “الفاينانشل تايمز” مقالا لأناتول ليفن -الاستاذ في “كينغز كولج” بلندن، الذي يوجد حاليا بباكستان لجمع مادة لكتاب- يبحث فيه أسباب أفول نجم الرئيس الباكستاني برفيز مشرف. ويقول الكاتب في مقال نشر قبل يوم من الاستقالة إن “كل من التقاهم من الباكستانيين تقريبا أجمعوا على كراهية الجنرال المتقاعد لسببين رئيسيين هما إخفاقه في الحد من التضخم، وحصوله على أموال من الأميركيين ليقتل بها أبناء جلدته”.

 ويرى الكاتب أن واقع الأمر يشير إلى أن مشرف وقع ضحية قوتين متنافرتين هما “الضغط الأميركي ومشاعر الشعب الباكستاني”. ومغادرته الحكم لن تعني انتهاء الضغط الأميركي على باكستان من أجل الانخراط أكثر في “الحرب على الإرهاب”.

ويحذر الكاتب من أن استمرار هذا الضغط قد يولد “انفجار هذا البلد إلى شظايا عسكرية أو مسلحة بالغة الخطورة”. وتعتقد “الإنبندنت” كذلك أن تنحي أو تنحية مشرف ليست هي الحل الناجع. خصوصا في ضوء المعلومات التي تتهم قطاعات من الجيش والاستخبارات العسكرية بالوقوف وراء الاضطرابات التي تهز المناطق القبلية غربي البلاد غير بعيد عن أفغانستان.

لا تحتاج لمؤلف غربي لتعرف مدى كراهية الشعوب لأميركا من تحالف معها. فالباكستانيون في أكثريتهم ينظرون إلى طالبان وأسامة بن لادن باعتبارهم أبطالا. ليس من يعانون الجوع والخوف في باكستان، بل من عاشوا في الغرب وتمتعوا برفاهه. وفي الشهر الماضي احتفى الباكستانيون بذكرى” استشهاد” منفذي تفجيرات القطارات في لندن. وإن فشلت القاعدة في اغتيال مشرف فإن إرادة الناس قضت عليه سلما.

قال مشرف في خطابه المتلفز: “بعد مراجعة الموقف واستشارة المستشارين القانونيين، والحلفاء السياسيين، قررت الاستقالة معتمدا على نصيحتهم”. وأضاف “أترك مستقبلي في يد الشعب”.

يستغرب أن يصدر كلام كهذا من عسكري مخضرم تمتع بطعم السلطة تسع سنوات. ليس صحوة ضمير ولا نضجا متأخرا هو تقدير دقيق من عسكري لموازين القوة. فقد أطاح بالقضاء ونكل بالسياسيين فازدادوا شراسة في مواجهته، وهو يعلم أن ظهره العسكري مكشوف. فالجيش الباكستاني لم يكن على وفاق مع سياساته في “الحرب على الإرهاب”. فالاستخبارات العسكرية الباكستانية هي من رعى الجهاد الأفغاني في الثمانينات وساند طالبان في التسعينات. وتحول بفعل سياسات مشرف من عنوان للإجماع والكرامة الوطنية إلى طرف في نزاع عسكري محلي استزفه.

لن تنعم باكستان بحكم مدني برحيله. ستظل في حال من الفوضى تتنازعها نخب سياسية فاسدة. وسيأتي يوم يبادر فيه جنرال آخر للانقلاب على الساسة الفاسدين وتتكرر الدورة الشيطانية ذاتها. هذه ليست مشكلة باكستان وحدها، معضلة عالم ثالثية لا تجد من يداويها. فساد الساسة شجع استبداد العسكر.

 لن ينشغل الأميركيون بمستقبل الديمقراطية في باكستان، يهمهم أن تظل القنبلة النووية بأيد أمينة، ويتواصل التعاون في “الحرب على الإرهاب”. دون أن تستكشف طائرات استطلاعهم وأقمار تجسسهم أن الدول الفاشلة وغير الديمقراطية من أبرز روافد نهر التطرف والعنف.         

هل تريد التعليق؟