مقالات

وضاعة السيسي شرارة الثورة المقبلة

إذ يدخل المصريون سابع سنواتهم العجاف بعد الانقلاب، لم تبق كذبةٌ ولا خديعةٌ لم تتكشف، ليقف الانقلاب عارياً بدون أوراق توتٍ ثورية. لم يبق أحد من الشباب الثوريين الذين خدعوا خارج السجن أو المنفى. أجهز عبد الفتاح السيسي على كل من استخدمهم غطاء لانقلابه، بدءاً من محمد البرادعي وصولاً إلى أصغر شاب ثوري. مع أنه كان بإمكانه توسيع دائرة الحلفاء، وحتى شق الإخوان المسلمين أنفسهم لو أظهر مرونةً وسعة أفق، لكنه ظهر كما هو في الحقيقة، مخادعاً عند الضعف، دموياً عند التمكّن. 

في العام السابع يُؤمل أن يأتي بعده عام يُغاث فيه الناس بثورةٍ تراكم على ما تحقّق من خبراتٍ دفعت كلفتها دماء الآلاف، وآلام ودموع الملايين من المصريين الذين يعانون في الشارع وفي السجون والمنافي. وإن كانت الثورة على قول ماركس “اليوم ليست بالأمس ولا غداً”، فإن التفاؤل بها ضروري إلى أن تأتي، ولو بعد سنين، ومن قال هلك الناس فهو “أهلكهم”.

اللحظة اليوم أكثر وضوحاً من 25 يناير/ كانون الثاني 2011، فنظام حسني مبارك لم يكن بوضاعة السيسي، والثورة لم تكن بنصاعتها اليوم. لدينا تباين واضح، بين دكتاتور لم يتورّع عن ارتكاب كل رذيلةٍ محلياً وإقليمياً ودولياً وقوى ثورية ورئيس منتخب شهيد ومناضلين موزعين بين القبور والسجون والمنافي. 

في كل الملفات يمكن تفضيل مبارك على السيسي، بما فيها ملف الفساد، وقد كشف المقاول محمد علي أن لدى السيسي وأسرته هوساً ببناء القصور والرفاه بشكل لم يعرفه تاريخ مصر، ولأبنائه وأنسبائه نفوذ تجاوز ابني مبارك، على رغم حداثة عهدهم بالسلطة… صحيحٌ أنه أنفق أموالاً طائلة على مشاريع البنية التحتية الاستعراضية، من تفريعة قناة السويس إلى الجسور والشوارع والعاصمة الإدارية، لكنها عكست غشاً كبيراً وفساداً وسوء ترتيب للأولويات، في مقابل السعي المحموم لبناء صورة الرئيس، وليس بناء البلاد. 

سقط نظام السيسي، في أزمة كورونا، بشكل مريع، ولم يتكشف غير رأس جبل الجليد من خلال وفيات الأطباء والممرضين، والذين هوجموا بالسلاح الغبي نفسه، الأطباء إخوان! بدلاً من المشاريع الاستعراضية، كان في وسعه أن يؤمّن الأطباء، ويوفر الإمكانات لهم، للحفاظ على أرواح الناس من كورونا وغيرها. وفوق ذلك كله، قدم إعلامه خيباته الاقتصادية، وجديدها القرض الذي يزيد على خمسة مليارات دولار باعتباره معجزة اقتصادية. وليس المواطن المصري في حاجةٍ لإعلام حتى يخبره بأسعار المواصلات والخبز والخضار.. والناس يدركون الفرق بين أسعار سنوات السيسي ومن سبقه. 

إقليمياً، يدرك المصري حجم المهانة في التعامل مع إثيوبيا التي تمسّ أمنه المائي، مقابل خوض معركة عبثية في ليبيا لأن الإمارات تموّلها، وبدلاً من تأهيل الجيش للدفاع عن مصالح مصر الحيوية حوّله إلى مرتزقة يقاتلون بالوكالة لصالح من يدفع. في القضية الفلسطينية، تحوّل السيسي إلى سفير نتنياهو في العالم العربي، يروج سياساته في حصار غزة وتجويعها وتمرير “صفقة القرن”، مقابل بوليصة تأمين النظام مع ترامب. 

من حيث المبدأ، لا يمكن مقارنة نصاعة محمد مرسي الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه، وخرج من الرئاسة ولم يمسّ المال العام، لا هو ولا أولاده، وكان جديراً بوصف “أول رئيس منتخب في تاريخ مصر”. ولكن يمكن مقارنته بمبارك الذي هو أقل بطشاً ودموية مع معارضيه، وأكثر احتراماً لمكانة مصر، سواء في علاقاته الدولية أم العربية والإقليمية. 

باختصار، شروط الثورة اليوم مكتملة في مصر أكثر مما كانت في 25 يناير، وربما هذا ما بشر به السيسي في 2020 أن مصر ستكون في مكان آخر.

هل تريد التعليق؟