مضى أسبوع على صدور تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان حول الانتخابات، ولم تصدر أي ردة فعل عن الحكومة. ربما تعكف على درس التقرير، وتتأهب لمحاسبة المخطئين والعمل بالتوصيات. قد تحتاج لأسبوع آخر وربما سنة أخرى. لا بأس، لكن لا بد من موقف مبدئي من التقرير، هل هو ضرب من العلاقات العامة لإثبات وجود رقابة على الانتخابات وينتهي التقرير على الرف إلى جوار سابقه عن الانتخابات البلدية، أم أنه مراجعة جذرية لمؤسسات الدولة وأدائها وسياساتها؟ تقتضي معالجة الإحباط الإسراف في التفاؤل. تتبنى الحكومة مراجعة جدية، خصوصا أن المسألة أكبر منها، فالتقرير يشكك ليس في أداء الحكومة التي أشرفت على الانتخابات النيابية والبلدية وإنما في المخرجات، أي مجلس النواب الذي أعطاها ثقة لم تنلها حكومة من قبل وربما من بعد. وبخاصة أن غياب الثقة في مجلس النواب عبرت عنه استطلاعات الرأي التي يجريها مركز الدراسات الاسترايجية، حتى قبل الانتخابات المريرة التي صدر بحقها التقرير. فالثقة في المجلس السابق والذي انتخب بنزاهة أعلى بكثير من المجلس الراهن تقل عن الخمسين في المائة. أما الثقة بنزاهة الانتخابات الأخيرة قبيل إجرائها فكانت في أدنى مستوياتها. عالميا يجب أن تزيد نسبة من يثقون بنزاهة الانتخابات على التسعين في المئة، عندنا كانت النسبة على ضفاف الخمسين قبل إجرائها. <br/> <br/>تعرف الحكومة أكثر من المركز الوطني وأكثر من الصحافة ما جرى في الانتخابات. وهي تعطي الأولوية اليوم للأزمة الاقتصادية الناتجة عن ارتفاع أسعار الوقود على حساب الأزمة السياسية. ولكنها لو تدبرت ما حصل في الأردن خلال العشرين سنة الأخيرة لأدركت أن الأزمة الاقتصادية المزمنة تعالج بالسياسة تماما كما بالاقتصاد. فالانتخابات الأكثر نزاهة عام 1989 ولدت من رحم أزمة اقتصادية. ومجلس النواب الأكثر تمثيلا للناس أدار بكفاءة سياسات الإصلاح الاقتصادي بموازاة سياسات الإصلاح السياسي. <br/> <br/>فلتصغِ الحكومة إلى رئيس المركز الوطني لحقوق الإنسان، فأحمد عبيدات ليس من ” أبطال الديجتال” الذين يبدأون وينتهون وميضا وهميا على الشاشات. هو الذي ذاق المرارة من تقارير منظمات حقوق الإنسان عندما كان مديرا للمخابرات التي واجهت أشرس التنظيمات المسلحة. وهو ذاته الذي التقى قادة المنظمات المسلحة في اجتماعات الميثاق الوطني، قادة سياسيين يتوافقون على المصالح العليا للبلاد. وحتى لا ننسى حكومته التي أجرت الانتخابات التكميلية التي أجمع على نزاهتها وجاءت بمعارضة معقولة في مجلس النواب المعاد ( 1984إلى 1989). <br/> <br/>إسرافا في التفاؤل يعتبر تقرير المركز الوطني وثيقة إصلاح سياسي بامتياز، صادرة عن بيت خبرة وطني، لا عن شركة خدمات أجنبية. ولا يقلل ذلك من مهنية التقرير التي ترقى إلى مستوى تقارير المنظمات الدولية التي مضى على عملها عشرات السنين. وعلى الحكومة أن لا تغرق في التفاصيل وإنما تتعامل مع التوصيات بجدية. <br/> <br/>”حجم المخالفات لقانون الانتخاب نفسه الذي رافق معظم مراحل العملية الانتخابية القى بظلال كثيفة من الشك حول مدى توافق اجراءات العملية الانتخابية مع المعايير الدولية والوطنية المتعلقة بنزاهة الانتخابات”. هذه خلاصة التقرير التي تنسجم مع خلاصة تقريره عن الانتخابات البلدية، وعلى الحكومة أن تأخذ بالتوصيات التي تطالب بمحاسبة المسؤولين الذين لم يحاسبوا في الانتخابات البلدية. والأهم أن تأخذ بالتوصيات الإصلاحية التي تنسجم مع الإجندة الوطنية التي تعلن الحكومة التزامها بها، وخصوصا ما يتعلق بقانون الانتخابات:” ان الانتخابات الديمقراطية تعتبر حرة اذا استندت الى حكم القانون والتنافسية واحترام المواطنين وحرياتهم الاساسية وكفلت توفير سبل الانصاف القضائي الفعالة في جميع مراحلها كما تعتبر الانتخابات نزيهة اذا جرت بموجب نظام انتخابي عادل وفعال والتزمت اللجان المشرفة عليها بالحياد التام في ادارتها والشفافية في تسجيل وفرز الاصوات واعلان النتائج”. <br/> <br/>واوصى التقرير بوضع قانون انتخاب جديد يعزز التوجه الديمقراطي في المملكة ويسهم في تحقيق التعددية السياسية ويؤمّن توسيع قاعدة المشاركة الشعبية ويحقق عدالة التمثيل النيابي وفقا للدستور والمعايير الدولية ذات العلاقة على وجه الخصوص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. <br/> <br/>كما اوصى بانشاء هيئة خاصة مستقلة لادارة العملية الانتخابية بجميع مراحلها وتوفير الشروط القانونية والموضوعية لضمان قيام هذه الهيئة بمهمتها بفعالية واحتراف وحيادية تامة وتزويدها بالموارد البشرية والمالية اللازمة لضمان نزاهة وشفافية واستقلالية وكفاءة ادارة العملية الانتخابية. <br/> <br/>قد يقال أن الدولة لا تقاد من متقاعدين، لا وظائف لهم. يصح ذلك في الجانب التنفيذي الصرف. لكن لنستفد من خبرات الدولة المتفردة بقيادة العالم. فتقرير بيكر – هاملتون بخصوص العراق كان وثيقة هادية للرئيس وللكونجرس وللجيش ولسائر مؤسسات الدولة. <br/> <br/>ترى هل تكون وثيقة المركز الوطني هادية لسياسات الدولة المقبلة؟ أم أنها ستجد متسعا بين الرفوف؟ الأسوأ من ذلك أن يصنف معدوها في خانة “أعداء الدولة” الذين يحالون لمحكمة أمن الدولة. وقد طالب بعضهم يوما بإحالة كاتب تقرير أوضاع السجون إلى محكمة أمن الدولة، وهو ذاته كاتب تقرير أوضاع الانتخابات. أرجح بعيدا عن الإسراف في التفاؤل أن يتعامل مع التقرير كما يتعامل مع التقارير التي تتناول الانتخابات في كينيا.</p></div></h4> |
هل تريد التعليق؟