يستطيع النواب من خلال قانوني ضريبة الدخل والضمان الاجتماعي إحداث تغيير جذري في تركيبة المجتمع والدولة. وهو ما يضع البلاد على سكة العدالة الاجتماعية ويعيد توزيع الثروة بشكل عادل ويحفز الاستثمار. غير أن هذا ليس بوارد النواب ولا الحكومة ولا النخب السياسية، وكما معظم القوانين الاقتصادية تقر القوانين بـ”التمرير”.
مع أن أهمية السلطة التشريعية لا تقتصر على القوانين ذات الصفة السياسية، وفي أميركا يقولون “الكونجرس يحمل حقيبة النقود والرئيس يحمل السيف”. وكل حكومة في العالم “تدوخ” مع مجلس النواب قبل إقرار قانون الموازنة.
المجلس في الدورة الصيفية أمامه فرصة تاريخية للقيام بدوره الدستوري في التشريع الذي يمس حياة الناس بصورة مباشرة.
كل مواطن يتأثر بضريبة الدخل، سواء كان دافعا أم مستفيدا. وجوهر الديمقراطية هو “لا ضرائب من دون تمثيل”، وهي ليست منة من القادرين عليها بل واجب يتمم شروط المواطنة. وحتى اليوم لا نشهد نقاشا جديا للقانون لا من النواب ولا من غيرهم وكأنه قانون لضريبة الدخل في تشيلي. وكذا الضمان الاجتماعي فهو الضمان الكريم لكل باذل جهد، وليس معونة لغير القادر. وهو صندوق الاستثمار الأكبر الذي يعكس قدرة الدولة في الحاكمية والنزاهة والإبداع في الاستثمار.
بمعزل عن الثقة المتهاوية في مجلس النواب من العينة الوطنية وقادة الرأي هل قام النواب بواجبهم الدستوري تجاه القانونين؟ صحيح أن مجلس النواب غير مسنود بخبراء اقتصاديين وقانونيين، ولكن ما يمنع من الاستماع إلى الخبراء والذهاب إليهم أو استدعائهم إلى المجلس أو إعداد الدراسات من مكاتب استشارية متخصصة حتى ولو بمقابل؟ أين النقابات المهنية والعمالية و..أين النخب موالية ومعارضة؟ هل قدم المعارضون رؤيتهم؟ هل عملوا جماعات ضغط للتأثير على التشريع؟
في تصور المجتمع والحكومة والنواب لأنفسهم أنهم جماعة خدمات لا علاقة لهم لا بالتشريع ولا بالرقابة. الحكومة تشرع وتراقب وتقوم بكل شيء بما في ذلك الإنفاق على النواب. آخر ما حرر هو منح النواب 396 ألف دينار بدل تدريس طلاب بمعدل عشرة طلاب لكل نائب!
تلام الحكومة أم يلام المجلس؟ هل تحل مشكلة التعليم العالي بهذه الطريقة؟ أين هي وزارة التعليم العالي والجامعات التي يفترض أنها مؤسسات ذات حاكمية رشيدة بعيدا عن أهواء النواب وميولهم. الحكومة نالت الثقة وفوضت بإدارة المال العام بما فيه مال التعليم العالي، ولو أن رئيس جامعة أو موظف في التعليم العالي حابى قريبا له أو أدرج ابنه في بعثة يحسابه النواب لكن من يحاسب النواب إن لم يوزعوا العشرة “شيكات” بعدالة؟
أي عبقرية خرجت بهذه الفكرة! المفروض أن الطالب المستحق يحصل على بعثة تؤمن له عيشا كريما طيلة فترة دراسته أو يتاح له فرصة للعمل الإضافي لتمويل تعليمه لا أن يقف هو وذووه على باب النائب يستمطرون “الشيك”. يجب أن يشعر الطالب بالكرامة وهو يتلقى تمويل تعليمه أن تصله البعثة لا أن يطرق الأبواب مستجديا.
زميل حصل على قبول للدكتوراه في فرنسا. وفوجئ أن إيجار الشقة في باريس الغالية جدا مخفض بنسبة عالية للطلاب. هل فكر النواب بمساعدة الطلاب في سكنهم وفي مواصلاتهم؟ هل الإعفاء الجمركي لسيارة النائب أهم أم دعم المواصلات العامة للطالب؟
يستطيع النواب استعادة ثقة الناس بسهولة لو قاموا بدورهم الدستوري تشريعا ورقابة. قانونا الضريبة والضمان هما بمثابة توزيع “شيكات” لكل مواطن من دون منحة أو منة من الحكومة.
هل تريد التعليق؟