مقالات

ويكيلكس.. اكتشاف المطبعة من جديد

في كتابه “غطرسة إمبريالية” يشبه مايكل شوير مسؤول مكافحة الإرهاب السابق في الـ “سي آي إيه” ثورة المعلوماتية باكتشاف المطبعة. ومن التشبيه يذكر بالحروب الأهلية والطائفية التي سببها اكتشاف الطباعة، فقد كان الكتاب المقدس وما تعلق به مخطوطات تتداولها الخاصة من رجال الدين، لا عامة الناس. ويحلل الخبير، الذي كان مكلفا بالقضاء على بن لادن، كيف استفادت القاعدة من تقنيات المعلوماتية وسخّرتها في الترويج والتجنيد والتواصل.

وإلى اليوم، لا يمكن الإجابة بشكل قطعي عن سؤال المواقع الجهادية: هل عجزت الولايات المتحدة عن ملاحقة ومتابعة تلك المواقع وإيقافها، أم أن ثمة مصلحة في وجودها لغايات الاصطياد والتوريط، ومعرفة كيف يفكر الجهاديون؟ خصوصا أن الولايات المتحدة سبق أن موّلت مجلات شيوعية بشكل سري لتحافظ على بقائها، حتى تظل مصدرا للتعرف على العدو الشيوعي.

في ويكيلكس اختلاف جوهري عن المواقع الجهادية، فنشطاء الموقع لا يتوارون في جبال وزير ستان ولا يلجأون لحيل التخفي الإلكتروني للتمويه عن أشخاصهم، إنهم يصرحون عن أنفسهم ويعلنون عن منجزاتهم ويجاهرون بأهدافهم ويستعدون لدفع الثمن. لكنهم يخرجون عن النص الرسمي العام.

تشبه قضية ويكيلكس قضية “أوراق البنتاجون” التي كشفتها النيويورك تايمز والواشنطن بوست. والتي كانت أحد أسباب وقف الحرب في فيتنام. من دون ملاحظة فارق جوهري. وهو أن أوراق حرب فيتنام نشرت بقرار من المحكمة العليا في أميركا. فالحكومة قاضت الصحافة قبل التسريب، والقضاء انحاز للصحافة، ولو قررت المحكمة في حينها أن أرواح المواطنين الأميركيين أهمّ من حق المعرفة لالتزمت الصحيفتان وما نشرتا. الصحافة الأميركية، كما القضاء، مستقلان، لكنهما جزء من المؤسسة. وهذا لا يقلل من أهمية حرية الصحافة في أميركا، لكن يميز بينها وبين صحافة الإنترنت غير المنضبطة بالمؤسسة. أي لو أن المحكمة العليا قررت أن النشر في ويكيلكس يهدد أرواح الأميركيين فإن الموقع لا يلتزم، ولا توجد شبكة مصالح تربطه بأميركا مجتمعا ودولة، كما في مؤسسات صحافية ضخمة مثل التلفزيونات والصحف الكبيرة.

أتاحت ويكيلكس رؤية العالم كما هو في الغرف المغلقة، تماما كما حصل بعد سقوط النظام العراقي إذ غدت وثائق المخابرات العراقية نهبا مشاعا، يجول بها الباعة على مكاتب الصحافيين وكأنها صناديق خضار. ومهما سببت من ضرر إلا أن نفعها أكثر. فالأصل هو الشفافية والعلنية في الدول الديمقراطية. فأي سياسة يجب أن تكون معروفة حتى توافق عليها العامة. والمفارقة أن الأميركان لا ينفون ما ورد في ويكيلكس بل يؤكدون وينددون “وإننا نندد بأقسى العبارات بنشر تلك الوثائق السرية والمعلومات الحساسة المتعلقة بالأمن القومي، من دون الحصول على تصريح” أي بحسب البيت الأبيض المشكلة في التصريح بالنشر!

ولا شك أن العامة سعداء بفضائح ويكيلكس، بقدر ما أن الخاصة تعساء. على الأقل في اكتشاف قدرات بعض المسؤولين. فإن صح ما ينقل عن مسؤول أن إيران تسعى لتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إسلامية يتطلب إعادة تأهيل للكوادر السياسية. فمن يدعو لقراءة التاريخ عليه أن يقرأ أن الصراع بين عبدالناصر والملك فيصل كان، هل القضية الفلسطينية عربية أم إسلامية؟ ومنظمة المؤتمر الإسلامي تشكلت إثر إحراق الإقصى وليس بقرار سري من الحرس الثوري الإيراني.

هل تريد التعليق؟