مقالات

يا لها من معارضة متآمرة على الوطن

يوم أمس، كان يوماً نموذجياً للمتآمرين على الوطن؛ يستغلّون صلاة الجمعة والشمس الدافئة لحشد الناس وتفجير غضبهم باتجاه مؤسّسات الدولة. تتوافر كلّ عوامل الاشتعال؛ فرفعُ الأسعار أتى على أعزّ ما في جيوب الناس، والأوضاع في فلسطين تحرّك الصخر. تشتم الحكومة بأقذع التهم، تسرق قوت المواطن وتخون قضيّته المركزيّة. ونتائج التوجيهي في الخلفيّة تسمح بسماع دويّ الإطلاقات، سواء كانت ألعاباً نارية أم رصاصاً حيّاً.أين هم المتآمرون؟ تمكّنت جبهة العمل الإسلاميّ من حشد خمسة آلاف فرد نصرةً للأشقّاء في غزّة. وعلى رغم أنّ المعتصمين بترخيص من محافظ العاصمة عرفوا برفع الأسعار من خلال المواصلات وسعر الكاز الذي أحرقوا فيه العلم الإسرائيليّ، إلّا أنّهم لم يحتجّوا – ولو سلماً – على الارتفاع غير المسبوق. قبلها بـ 24 ساعة لم يحضر مِن بين الخمسة آلاف خمسون على الأكثر الاعتصامَ الذي دعت إليه أحزاب المعارضة مجتمعةً؛ احتجاجا على رفع الأسعار. <br/> <br/>ما بين الخمسين والخمسة آلاف ندرك عدداً من الملاحظات: <br/> <br/>1- أنّ ما قيل عن تآمر وارتباط بالخارج هو مجرّد هراء؛ فالمعارضة الإسلاميّة التي تكاد تصل علاقتها مع الدولة إلى درجة الصدام والقطيعة، التزمت بضبط جماهيرها باتجاهٍ راشد. <br/>2- ما تزال القضيّة الفلسطينيّة تشكّل أولويّةً قصوى للمواطن وحافزاً للتحرّك. فعلى مدى أكثر من أسبوع انخرط الشارع الأردنيّ بفاعليّات جماهريّة في مختلف المناطق نصرةً للأشقاء. وهذا التحرّك جزءٌ ممّا شهده العالم العربيّ والإسلاميّ، وأسهم بدرجة عالية في تخفيف الحصار الإجراميّ. <br/>3- تبدو العلاقة ملتبسة بين حركة الناس تظاهراً واعتصاماً وبين ما تراه من أولويّات. فعلى مدى سبعة أعوام (2000 إلى 2007) كانت العيّنة الوطنيّة تجيب عن سؤال مركز الدراسات الاستراتيجيّة حول القضايا التي على الحكومة البدء في معالجتها فوراً بالمسائل الاقتصادية أولاً؛ الفقر والبطالة ومحاربة الفساد، والقضايا السياسيّة الخارجيّة ممثّلةً بفلسطين والعراق ثانياً، وثالثاً كانت تأتي الديموقراطيّة. <br/>4- لا توجد جهات خارجيّة تُتّهم بالتحريض والتآمر، خلافاً لما حصل عام 1989، وعام 1996. ففي أحداث معان (أو هَبّة نيسان في الأدبيّات اليساريّة) اتّهم زيد الرفاعي، كما ينقل عنه هيكل، السعوديّة بالوقوف وراء الأحداث، وفي عام 1996 اتّهم عبدالكريم الكباريتي العراق وحزب البعث بالوقوف وراء الأحداث. <br/>5- تُحسَد الحكومة الأردنيّة على المعارضة التي تنعم بها. وباستثناء الإمارت العربيّة وعُمان وقطر، لا توجد معارضة بمثل هذا الأدب واللياقة. في النظر إلى الجيران، يواجه السوريّون معارضة كانت مسلّحة ذات يوم ولديها، اليوم، وضع دوليّ داعم يسعى إلى قلب النظام. لبنان، لدى حزب الله سلاح لا يتوافر لدى الجيش اللبنانيّ. العراق، معارضة بالمفخّخات والعبوات والقاذفات. السعودية خاضت مواجهات دامية مع القاعدة التي لا تزال تشكّل لها تحديّاً. وأمّا في فلسطين، فالشرعيّة مُتنازَع عليها بين الضفّة وبين القطاع، فيما الاحتلال الصهيونيّ يأكل الأخضر واليابس. لو ابتعدنا عن الجوار لما اختلفت الحال؛ فالمعارضات في العالم الثالث كثيراً ما تنحى باتجاه صداميّ دمويّ، أو تحمل على الأقل رؤىً جذرية تسعى لقلب الأنظمة. <br/> <br/>بعد هذه الملاحظات يمكن التوجّه بأسئلة بسيطة: <br/>1- هل كان قرار منع ندوتين لمركز القدس للدراسات، و لمنتدى الفكر الحرّ، وكلتاهما في فندق، مبرَّراً؟ <br/>2- هل اعتقال طلبة يوزّعون منشوراً، في الجامعة الهاشميّة، وإنزال عقوبات بطلاب على خلفيّة نشاطات سلميّة يقلّل مِن احتماليّة اتجاه الطلاب للعنف والتخريب؟ <br/>تستطيع الحكومات أن تعي درس 89، فإن لم يكن في الجيب مساعدات تُمنح للمواطن فلتمنح الحريّات إذن؛ وهي مجانية، لا بل تستدعي تقديم معونات خارجيّة. أمّا اجتماع ضائقتيْن، اقتصاديّة وسياسيّة، على المواطن، فهذا أمر خانق، ناهيك عن الوضع الخانق في غزّة، والذي يعتبر في السياسة قضيّة داخليّة. <br/> <br/>[email protected] <br/> <br/></p></div></h4>

هل تريد التعليق؟